التنظيم الذاتي عملية مستمرة – عمل مجلس الصحافة الألماني



منذ خمسين عاماً يتابع مجلس الصحافة الألماني عمل الصحفيين بشكل نقدي , وقد تحدثنا مع مدير هذا المعهد السيد " لوتس تلمنس "عن الرقابة الذاتية لوسائل الإعلام وعن حرية الصحافة في ألمانيا .
سؤال: حضرة السيد "تلمنس "
, لقد تأسس مجلس الصحافة الألماني في بون عام 1956 من أجل الدفاع عن حرية الصحافة وأيضاً من أجل أن تبقى هذه الصحافة ضمن حدودها المعترف بها . لقد حدد العضو المؤسس "روبرت كيسلر " مهمة هذا المجلس على النحو التالي : "يجب على المجلس أن يراقب ويحذر ويزيل الممارسات السيئة وأساءة الإستخدام والفساد والتجاوزات المخلة بالأسس التي يقوم عليها العمل الصحفي الرصين والمسؤول " . هل نجح المجلس في تحقيق ذلك خلال الخمسين سنة الماضية ؟
جواب : نعم , أعتقد أن مجلس الصحافة قد نجح في ذلك , وعلى كل حال يمكننا أن نلاحظ تحفظاً في إصدار القوانين الجديدة وخاصة مايتعلق منها بحرية الصحافة وبالحقوق الشخصية العامة , وواضح أن السلطة التشريعية تراهن أيضاً على التنظيم الذاتي للمواطنين . وفي الفترة التي مضت فإن معظم دور النشر وهيئات التحرير قد وافقوا على مبدأ التنظيم الذاتي , وهذه النتيجة تجعلنا متفائلين خاصة وأن التنظيم الذاتي هو عملية مستمرة وليس مهمة تنجز في وقت محدد . نحن نواكب باستمرار التطورات الحديثة ونتعامل مع المواضيع الجديدة وهذا سيستمر في السنوات الخمسين القادمة .
سؤال :في السبعينات قام مجلس الصحافة بوضع قانون للصحافة صاغ فيه الأسس الأخلاقية لعمل الصحفيين والناشرين , ومنذ ذلك الحين تم تعديل هذا القانون عدة مرات . لماذا كانت هذه التعديلات ضرورية ؟
حقوق النشر :www.pixelquelle.de جواب : لقد تم إعداد القانون الأول من قبل مجلس الصحافة في عام 1973 , وقد استند هذا القانون على الخبرات السابقة وعلى مجمل الشكاوى التي وصلت إلى مجلس الصحافة خلال الأعوام الماضية . وفي القانون 16 مادة تتضمن أسس العمل الصحفي بالإضافة إلى تعليمات متفرقة أخرى وهو بذلك عبارة عن مجموعة من القواعد مستندة إلى الواقع ولذلك كان يجب تحديث هذا القانون باستمرار . إن التعليمات والأسس الواردة في القانون هي انعكاس للتجارب المهنية وهذه التجارب متغيرة أيضاً , وهكذا فقد كان منطقياً أن يتماشى قانون الصحافة مع التجارب العملية , ولكن هذا لايعني أننا نركض خلف كل تطور وإنما نتمسك بقيمنا الأخلاقية .

سؤال :إحدى التغييرات الحديثة هي التعليمات الجديدة عن البورصة وعن تغطية أخبار الشركات . هل صحيح أن هذه التعليمات حلت محل القانون ؟
جواب : إن التغطية الإخبارية عن البورصات والأسواق المالية كانت موضوعاً سياسياًوحقوقياً لأن السلطة التشريعية كانت ملزمة بتحويل تعليمات الإتحاد الأوروبي بخصوص إساءة استخدام الأسواق المالية لتحل محل القانون الوطني , وهذا ماحصل أيضاً عند انتهاء العمل بقانون التعامل بالعملات الوطنية. وفي هذا الإطار هناك أسس وقواعد متعلقة بتحليلات السوق المالية وبكيفية التعامل مع معلومات المؤسسات الإقتصادية , وهذه معلومات حساسة بالنسبة للصحفيين عندما يكتبون عن السوق المالية . ومن أجل تقديم حل للسلطة التشريعية يضمن أيضاً حرية الصحافة أنجزنا مسودة مشروع عن التنظيم الذاتي للصحافة وعن المبادئ العامة للسلوك . وعقب ذلك قررت السلطة التشريعية حذف ثلاث فقرات مهمة تخص الذين يعملون كصحفيين , وهكذا فإن الصحفيين يخضعون عند عملهم لقرارات مجلس الصحافة ,وطبقاً لذلك فقد أضفنا تعليمات جديدة إلى قانون الصحافة وأصدرنا نصاً عن السلوك يفرق بين الخبر الصادر عن هيئة التحرير وبين الخبر الذي يخدم أغراضاً شخصية .
سؤال: من حيث المبدأ يستطيع أي مواطن تقديم شكوى إلى مجلس الصحافة حول ماينشر في الصحافة الألمانية , ولكن عدد الشكاوى في العشرين سنة الماضية إرتفع من 121 في عام 1986 إلى 746 شكوى في عام 2005 . هل هذا مؤشر على انحطاط التقاليد الصحفية ؟
جواب: معظم الشكاوى تتركز حول الإعتداء على الحقوق العامة وحول واجب التقيد بالحقيقة , وهناك قسم من الشكاوى يتعلق بالحقوق الشخصية وبعدم التمييز بين الخبر وبين الإعلان . ثم هناك شكاوى تتعلق بالتمييز العنصري وبالأخبار المثيرة , ولكني لاأجد بشكل عام دليلاً على انحطاط الصحافة ولكن من المؤكد أننا نلاحظ في السنوات الأخيرة إتجاهاً قوياً لشخصنة الأحداث ,إضافة إلى ذلك فإن المساحة الرمادية بين العلاقات العامة وبين هيئات التحرير أصبحت أكبر . إن الشكاوى التي تردنا هي مؤشر على الوضع الحالي الذي نعيشه حتى وإن كانت هذه الشكاوى لاتشكل انعكاساً تاماً لهذا الوضع . ثم علينا أن نتذكر أن لدينا في ألمانيا يومياً 30 مليون نسخة من الصحف , فإذا وصَلنا في العام 700 إلى 800 شكوى فإن ذلك لايسمح باستنتاجات علمية دقيقة حول أهمية هذه الشكاوى .
سؤال : هل تجد لدى الصحافة الإلكترونية توجهات مختلفة عن الصحافة المطبوعة ؟

جواب : أعتقد أن التكنولوجيا الحديثة تجلب معها أشكالاً مختلفةً من الممارسات , وبما أن المرء يمكن أن يبني الموقع الإلكتروني بشكل مغاير عن الصفحة في الجريدة فهذا يعطيه إمكانية أكبر لإستخدام المساحة الرمادية بين الخبر وبين الإعلان , فمثلاً يستطيع المرء أن يصل بسرعة إلى الإعلان من خلال الربط الإلكتروني بين عدة عروض وهذا لايتوفر في الخبر الصحفي .
سؤال : كل الشكاوى تدرس من قبل مجلس الصحافة وفي أسوأ الحالات يمكن أن يوجه المجلس لإحدى وسائل الإعلام توبيخاً ويجب عليها أن تنشره , ولكن ليس كل وسائل الإعلان تستجيب لهذا الطلب . المجلة الساخرة " تيتانك " نشرت ذات مرة نكتة قالت فيها , إنها ستنشر فقط التوبيخ الذي يوجهه إليها " كاسبر دافيد فريدرش " , وجريدة "تاكس شبيغل " التي وبخها مجلس الصحافة بسبب نشرها إعلاناً
لمحلات بيع سيارات نشرت التوبيخ الموجه لها مرفقاً بملاحظة تقول أنها ستستمر بنشر الإعلان . لماذا تعتقد أن الإعتماد على مبدأ الطواعية هو أسلوب صحيح في تطبيق المراقبة الذاتية لوسائل الإعلام ؟
جواب: لقد علّقت حقاً مجلة " تيتانك " قبل خمسة عشر عاماً بشكل ساخر على التوبيخ , ولكنها أعلمت قراءها بالتوبيخ الموجه لها من قبل مجلس الصحافة وهذا مايهمنا بالدرجة الأولى . أما جريدة "تاكس شبيغل "فقد نشرت التوبيخ السنة الماضية وأنا أعتبر الملاحظة المرفقة بالنشر بأنها مقبولة , ومن المؤكد أن الجريدة قد ناقشت وبشكل مكثف التوبيخ الموجه إليها . ثم إن الصحف المنافسة لها قد كتبت عن هذا التوبيخ .عدا عن ذلك فإننا لانوثق التوبيخ في سجلاتنا فقط وإنما ننشره على الرأي العام في بيان صحفي , وبذلك يكون النقد مؤثراً ويصبح التوبيخ الصادر عن مجلس الصحافة سلاحاً فعالاً .
سؤال: إن مكاتب تحرير مجلة " سيسيرو " تم تفتيشها من قبل موظفي المكتب الجنائي الإتحادي بتهمة المساعدة في إفشاء الأسرار , وقام مكتب الإعلام الإتحادي بمراقبة الإتصالات الهاتفية للصحفيين واستخدم بعض الصحفيين كمخبرين على زملائهم . هل علينا أن نخاف على حرية الصحافة في ألمانيا ؟
جواب : في الحقيقة هذه مواضيع يجد مجلس الصحافة نفسه مُطالباً من خلالها بأن يدافع عن حرية الصحافة . طبعاً لايمكن مقارنة حرية الصحافة في ألمانيا مع الدول ذات الأنظمة الشمولية , ورغم ذلك توجد هناك مواضيع وحالات ملحة يجب على الصحافة الحرة أن تشير إليها مثل ماحدث مؤخراً مع مجلة " سيسيرو " أو مثل ماحدث مؤخراً مع صحف محلية في دريدسن وفولفوسبورغ وشتوتغارت والتي تعرّض العاملون فيها للإحتجاز وللتنصت على هواتفهم . في مثل هذه الحوادث علينا أن نضع الرأي العام,السلطة التشريعية , الإدعاء العام والشرطة في صورة عملنا وأن ننتقد بشكل واضح وصريح حالات التنصت أو عندما يعتقد الصحفيون أن مصادر معلوماتهم فقدت سريتها .
سؤال : هل تؤثر محاكمة بعض التكتلات في وسائل الإعلام الألمانية على حرية الصحافة ؟
جواب : إن محاكمة التكتلات لاتؤثر بشكل مباشر على عملنا , ثم إن التكتلات الصحفية وحقوق المنافسة لاتدخل ضمن اختصاصنا , وإنما هي من اختصاص قانون الإحتكار في ألمانيا , ولكن مايبدو لي هاماً هنا هو أن التنوع في الصحافة الألمانية يجب المحافظة عليه .
سؤال : إن مايدعى حكم "كارولينا " الذي صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أعطى حماية كبيرة للحياة الخاصة للمشاهير. لماذا انتقد مجلس الصحافة هذا الحكم ؟
جواب : هذا الحكم أثار لدى هيئات التحرير قدراً من عدم الإطمئنان وهنا لاأقصد فقط صحافة التسلية وإنما أيضاً الصحافة السياسية . إن تقييم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يختلف عن تقييم المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا , فهذه الأخيرة تؤيد الحقوق الشخصية بشكل قوي وعلى حساب حرية الصحافة .إن وجهة النظر المختلفة للمحكمة الأوروبية حول حرية الصحافة تثير لدينا هنا في ألمانيا قدراَ من عدم الإطمئنان .
سؤال: بمناسبة الخلاف حول الرسوم الكاريكاتورية إقترح مسؤول الإتحاد الأوروبي للشؤون القانونية والداخلية " فرانكو فراتيني " إصدار قانون للصحافة الأوروبية , مارأيك بهذا الإقتراح ؟
جواب : إن المطالبة بإصدار قانون أوروبي للصحافة حول المشاعر الدينية تبدو لي عير مقبولة . هناك في كل الدول الأوروبية توجد قواعد قانونية تحددها مجالس الصحافة , ولكن فيما يتعلق بالمسائل الدينية فإن هذه القواعد تختلف من بلد لآخر. وهذه الإختلافات تعود إلى الخلفية الثقافية لكل أمة ولذلك فإنه من المنطقي تبادل وجهات النظر بين البلدان على المستوى ألأوروبي ولكننا لانرى ضرورة لصياغة قانون أوروبي موحد حول هذه المسائل
سؤال: لقد تبنى مجلس الصحافة الرأي القائل بأن نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد متوافق مع قانون الصحافة .
جواب : لقد ناقش مجلس الصحافة بشكل مكثف الخلاف المتعلق بالرسوم الكاريكاتورية , وقد وصلنا مئة التماس لنشرهذه الرسوم في جريدة " دي فلت " , وقد اتخذنا قراراً يقضي بأن نشر هذه الرسوم الكاريكاتورية كاقتباس مسموح به .
سؤال : هل يُسمح بالسخرية من كل شيء , كما يقول "توخولسكي " ؟


جواب : لا , ليس مسموحاً للسخرية أن تجرح كرامة الإنسان , ويجب علينا أن ننظر إلى كل حالة على حدة , وعلى السياسيين المشهورين أن يتقبلوا النقد ولكن على المرء أن يوازن بين الحقوق الشخصية وبين حرية الصحافة .