ورشة العمل الإقليمية للخبراء حول قانون الإعلام - منظمة الفصل 19





تنظيم الإعلام المطبوع: المعايير الدولية
كما هو الحال فيما يتعلق بمعايير حماية العاملين في حقل الإعلام هناك أيضاً محورين رئيسيين اثنين للمعايير الدولية المتعلقة بتنظيم وسائل الإعلام المطبوع:
    1.   الحاجة لضمان أن لا تحاول السلطات تكميم الأصوات المنتقدة لها أو إعطاء مزايا غير عادلة للإعلاميين المحابين لها
.
    2.   القلق من أن الحق في حرية التعبير سيتم ببساطة تجاهله عندما يتعارض مع مصالح مشروعة أخرى.

هل هناك حاجة لتنظيم قانوني؟
تعتقد الحكومات في العديد من الدول أنه من مهمتها إعداد لوائح مُعقّدة لكل جانب من جوانب الحياة في المجتمع بما في ذلك وسائل الإعلام. إلا أنه وحتى عندما يكون الهدف من ذلك هو حماية الحق في حرية التعبير إلا أن التشريعات التي تؤثر على وسائل الإعلام تؤدي عادة إلى إيجاد عوائق بيروقراطية وثغرات تسمح للقائمين على تنفيذ هذه التشريعات بإساءة تطبيقها. إن جزء من هدف اختبار الضرورة (والذي يعني أنه وحتى إذا كان القيد مفروضاً بموجب قانون واضح بشكل مقبول وحتى إذا كان يستهدف خدمة مصلحة مشروعة إلا أنه سيكون مخالفاً للحق في حرية التعبير مالم يكن ضرورياً بالفعل من أجل حماية تلك الغاية المشروعة) هو منع الحكومات من إتباع "غريزتها التشريعية" والتأكد من أن كمّ التشريعات المتعلقة بالإعلام يبقى في حده الأدنى.
من الجدير بالملاحظة أن معظم الديمقراطيات الراسخة ليس لديها قوانين تفرض إجراءات تنظيمية معينة على وسائل الإعلام المطبوع ويُعزى ذلك إلى سياسة مقصودة تنتهجها تلك الدول من أجل منع اللوائح غير اللازمة ولتمييز الصحافة عن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي تنطبق عليها اعتبارات أخرى.
من الجليّ أن وسائل الإعلام المطبوع لا يمكن أن تعمل في ظل فراغ قانوني. ينبغي مثلاً أن يتم ضمان وجود ظروف عمل مقبولة لموظفي الصحف كما ينبغي منع الناشرين من القرصنة على أعمال الآخرين وأن تتاح الفرصة للأفراد المتضررين من أي أخبار تشهيرية أن يرفعوا قضايا مطالبين بتعويضات وغير ذلك من الأمور. إلا أنه ليس أيّ من هذه الأمور يتطلب لوائح خاصة لوسائل الإعلام المطبوع لأن علاقات رب العمل بالموظفين موجودة في كل شركة كما أنه لا تتم القرصنة فقط على الأعمال المطبوعة ويمكن كذلك نشر أخبار تشهيرية من خلال وسائل الإعلام الأخرى أو من خلال طرحها على الجمهور مباشرة. بشكل يختلف عن وسائل الإعلام السمعية والبصرية (حيث هناك معوقات فنية تتعلق بعدد القنوات) فإن وسائل الإعلام المطبوع لا تتميز إلا بالقليل من الخصائص الفريدة بها والتي تتطلب تنظيماً لها من جانب الدولة.
وكنتيجة لذلك فقد اختارت العديد من الدول الديمقراطية أن تلغي قوانين الصحافة التي كانت سارية في تلك الدول وأن تعامل شركات وسائل الإعلام المطبوع مثلها مثل أي شركات أو مشاريع أخرى وتقوم بتنظيمها فقط من خلال القوانين العامة مثل القانون المدني وقانون العمل. إذا لم يكن هناك قانون للصحافة فإن ذلك لا يعني عدم توفر الوسائل القانونية لتقييد حرية الصحافة. إننا هنا لا نعني القول بأن قانون الصحافة لا يمكن أن يكون متوافقاً مع القانون الدولي إلا أنه من الناحية العملية تحتوي تلك القوانين دائماً على بعض القيود غير المشروعة على من يمكنه النشر وما يمكن نشره أو تحتوي على نصوص تُعدّ تكراراً لما هو في القوانين ذات التطبيق العام وبما يرسل تحذيراً مزدوجاً مثبطاً للصحافة. تناقش الأقسام التالية مختلف أنواع النصوص الإشكالية التي توجد أحياناً في قوانين الصحافة ومن ثم تناقش نموذجاً بديلاً وهو نموذج التنظيم الذاتي من قبل وسائل الإعلام نفسها.

متطلبات الترخيص والتسجيل
لنفس الأسباب التي تنطبق على إصدار التراخيص للعاملين في وسائل الإعلام فإن نظام إصدار التراخيص لوسائل الإعلام المطبوع والتي تسمح برفض منح الإذن بالنشر يُعدّ انتهاكاً للضمانات الدولية المتعلقة بحرية التعبير.
يُعدّ إنشاء المطبوعات إحدى الطرق الهامة من أجل "نشر المعلومات والأفكار" ولذلك فهو يُمثل ممارسة للحق في حرية التعبير. يُمثل نظام التراخيص عائقاً أمام هذا النشاط وقد يتراوح من الصعوبات البيروقراطية البسيطة إلى وضع الحواجز التي لا يمكن تجاوزها (إذا تم رفض طلب إصدار الترخيص). ولذلك فإن هكذا نظام يُعدّ تدخلاً في الحق في حرية التعبير ولذلك ينبغي أن يفي بمتطلبات الاختبار ذو الثلاثة أجزاء من أجل أن يكون مبرراً.  
يمكن أن يُعالج نظام التراخيص بعض الغايات المشروعة مثل منع المنشورات التشهيرية في طبيعتها. مع ذلك فإن اشتراط الضرورة يعني من بين أشياء أخرى أن الحكومة ينبغي أن تختار الطرق التي تسمح لها بتحقيق غاياتها والتي تكون في نفس الوقت أقل ضرراً بحرية التعبير. إن قرار رفض منح ترخيص لشخص ما لهو قرار يرقى إلى أن يكون حظراً مسبقاً شاملاً على كافة المواد التي كان هذا الشخص سيقوم بنشرها ولذلك فإن هذا الإجراء بطبيعته ليس أقل السبل المتاحة للحكومة تقييداً لأنه يمكن التعامل مع أي مقالات خاطئة في كل حالة على حدة بعد نشرها وبالإمكان معاقبتها بفرض غرامات أو أي عقوبات أخرى. بالإضافة إلى ذلك تُعدّ أنظمة الترخيص إشكالية لأنه يمكن إساءة استخدامها بسهولة حيث تُستخدم على سبيل المثال من أجل منع معارضي الحكومة من التعبير عن آرائهم وينطبق ذلك بشكل خاص إذا ما تم إدارة نظام التسجيل من قبل جهة غير مستقلة وفي حال غياب المعايير الواضحة لإصدار التراخيص. يمكن حتى أن يؤدي نظام التراخيص الذي يُدار بشكل مستقل إلى حث وسائل الإعلام على ممارسة الرقابة الذاتية على نفسها وذلك خوفاً من إلغاء تراخيصها.
لقد عبرت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بشكل متكرر عن مخاوفها من متطلبات التسجيل لوسائل الإعلام المطبوع معتبرة أن تلك المتطلبات تمثل انتهاكاً للحق في حرية التعبير. على سبيل المثال في العام 1999م أشارت اللجنة فيما يتعلق بتقرير ليسوثو الاعتيادي إلى ما يلي:
اللجنة قلقة من أن السلطات المختصة بموجب قانون الطباعة والنشر لديها سلطة تقديرية غير مقيدة في منح أو رفض تسجيل أي صحيفة الأمر الذي يتعارض مع المادة 19 من العهد.[1]
انتقدت لجنة الأمم المتحدة حول حقوق الطفل وهي هيئة مشابهة للجنة حقوق الإنسان وتشرف على اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الطفل متطلبات الترخيص المتشددة في أوزباكستان قائلة:
على ضوء المادة 13 (حق الطفل في طلب واستلام ونشر المعلومات)... فإن اللجنة قلقة من أن متطلبات التسجيل والترخيص المتشددة لوسائل الإعلام والمطبوعات وكذلك القيود على الوصول إلى الإنترنت جميعها لا تتوافق مع المادة 13 الفقرة 2 من الاتفاقية.[2]
هناك نظام بديل لأنظمة التراخيص وهو نظام التسجيل الفني والذي لازال موجوداً في بعض الدول الديمقراطية المتقدمة. نظام التسجيل الفني هو نظام إداري بحت يشترط على المطبوعات أن تقدم المعلومات الأساسية عن نفسها إلى السلطات المختصة مثل موقع مكتبها وأسماء ملاكها بدون إعطاء الجانب الحكومي أي صلاحيات في رفض طلب التسجيل. إن غرض ذلك النظام الفني للتسجيل هو ضمان أن يستطيع الأفراد الذين يرغبون بمقاضاة المطبوعة بسبب أي مخالفات تتعلق بالتشهير أن يحددوا ببساطة الموقع الذي يستطيعون إرسال شكواهم إليه.
أنظمة التسجيل الفنية هذه تشكل ظاهرياً تهديداً أقل لحرية التعبير عن أنظمة الترخيص لأن الأولى لا تسمح للحكومة بأن ترفض طلب تسجيل الحق في النشر. ومع ذلك يمكن إساءة استخدام هذه الأنظمة وقد تم بالفعل إساءة استخدامها وهو ما دفع الهيئات الدولية إلى التعبير عن تحفظاتها حول قانونية هذه الأنظمة. هناك قضية رفعت أمام لجنة حقوق الإنسان من روسيا البيضاء وتوفر مثالاً جيداً يمكن الإشارة إليه. اشتكى مقدم الطلب من نص قانوني يفرض أن يتم تسجيل صحيفته التي توزع فقط 200 نسخة حيث تمت محاكمته بسبب توزيعه مطويات غير مسجلة وتم مصادرة المطويات. في تحليل لجنة حقوق الإنسان لهذه الشكوى أوضحت اللجنة في المقام الأول أن متطلبات التسجيل بحد ذاتها تشكل تدخلاً واضحاً في الحق في حرية التعبير ولذلك ينبغي تبرير هذه المتطلبات:
تشير اللجنة إلى أن... ناشرو الدوريات... عليهم أن يدرجوا بيانات معينة تتعلق بالمطبوعة بما في ذلك الفهرس وأرقام التسجيل والتي وبحسب المؤلف يمكن الحصول عليها فقط من السلطات الإدارية. في وجهة نظر اللجنة فإنه ومن خلال فرض هذه الاشتراطات على مطوية تطبع حوالي 200 نسخة فقط فإن الدولة الطرف قد وضعت حواجز تعيق حرية المؤلف في نشر المعلومات.[3]
لقد كانت اللجنة متشككة جداً من ادعاء روسيا البيضاء أن متطلبات التسجيل كانت ضرورية لحماية النظام العام أو حقوق الآخرين مشيرة بشكل خاص إلى ما يلي:
في غياب أي تفسير يبرر متطلبات التسجيل والإجراءات المتخذة فإن من وجهة نظر اللجنة أنه لا يمكن اعتبار تلك المتطلبات ضرورية لحماية النظام العام أو لاحترام حقوق أو سمعة الآخرين.[4] وأخيراً فقد انتقدت اللجنة بشدة حقيقة أنه وبسبب إخفاق مقدم الطلب في التسجيل فقد نتج عن ذلك إلزامه بدفع غرامة وكذلك مصادرة النسخ المتبقية من المطبوعة.[5]
عبرت جهات أخرى عن نفسها بتعابير مشابهة. حيث أعلن المقررين الخاصين للأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا حول حرية التعبير على سبيل المثال عن ما يلي: "إن فرض متطلبات تسجيل خاصة على وسائل الإعلام المطبوع يُعتبر أمراً غير ضرورياً وقد يُساء استخدام تلك المتطلبات ولذلك ينبغي تجنبها".[6] انتقدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان متطلبات التسجيل في بولندا والتي تسمح للسلطات بأن ترفض طلب التسجيل إذا كان الاسم المقترح "غير متوافق مع الحالة الفعلية للصحيفة". كما أشارت إلى أن ذلك الاشتراط يُعتبر "غير مناسباً من منظور حرية الصحافة".[7]
باختصار تُعدّ أنظمة التسجيل لوسائل الإعلام المطبوع غير متوافقة مع القانون الدولي لأنها تخفق في تلبية متطلبات اختبار "الضرورة". إن أنظمة التسجيل ليست غير مشروعة بحد ذاتها إلا أنه من الواضح من خلال الأحكام الصادرة عن الهيئات أعلاه أن تلك الأنظمة ينبغي أن تُقيد حرية التعبير في حدها الأدنى وأن تتكون من إجراءات بسيطة وتلقائية.

التعليق والحظر
يُعتبر الحظر الدائم أو التعليق المؤقت لوسيلة إعلامية مطبوعة معينة تدخلاً شديداً في الحق في حرية التعبير ويشابه في محتواه حرمان الفرد من الحق في ممارسة الصحافة. إذا كان الحق في التعليق أو الحظر يقع بأيدي جهة إدارية فإن ذلك يرقى إلى اعتباره من ضمن سلطات إصدار التراخيص وبناءً عليه فهو يُعدّ مخالفاً للقانون الدولي. من المشكوك فيه أن يكون أي حظر أو تعليق مُبرراً حتى وإن أمرت بذلك محكمة معينة. إن الحظر أو التعليق يرقى إلى كونه مصادرة كاملة لحق المطبوعة المعنية في حرية التعبير وعلى الأخص عندما يكون هناك إمكانية اللجوء إلى تدابير أقل تطرفاً مثل فرض غرامة ما أو مصادرة عدد معين أو اتخاذ إجراءات جنائية ضد المسئولين المعنيين.
التدابير التشريعية التي تحرم وسائل الإعلام المطبوع من إمكانية توزيع مطبوعاتها تُعدّ بخلاف النظر عن نواياها وأغراضها مساوية لحظر المطبوعة ولذلك فهي ليست مبررات قانونية مقبولة. أشارت المحكمة العليا في الولايات المتحدة إلى ما يلي: "حرية التوزيع ضرورية لحرية الحديث مثلما هي ضرورية لحرية النشر وفي الحقيقة فإنه وبدون التوزيع لن يكون للنشر إلا القليل من الفائدة".[8] دفعت اعتبارات مشابهة بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن تُدين الحظر الذي تم فرضه على توزيع مجلة في ثكنات الجيش النمساوي في قضية فيرينيجونج ديموكراتيكر سولداتن أوستيريتش وجوبي ضد النمسا.[9] وجدت المحكمة أنه ليس هناك أي دليل على ادعاء الحكومة النمساوية بأن المجلة المعنية شكلت تهديداً على الأمن القومي وأنها بشكل خاص لم تحرض على العصيان أو العنف. وبالرغم من نبرة الصحيفة العدوانية إلا أن الصحيفة لم تتجاوز حدود ما ينبغي أن يُسمح به في إطار مناقشة الأفكار داخل الجيش في أي دولة ديمقراطية.[10]

الإلزام بتقديم نسخ
إن مبررات فرض واجب أن تقوم المطبوعات بتقديم نسخ منها إلى الوزارة أو إلى أي جهة حكومية أخرى ضعيفة. والخطر هنا هو أن تلك المتطلبات سوف تستخدم كأداة للرقابة وهو أمر واضح كما أنه من الصعب أن نجد أي سبب آخر مقنع لاشتراط الحكومة أن تحصل على نسخ من كل مطبوعة في البلد. يمكن أن يكون لاشتراطات الإيداع أثراً مثبطاً على الإعلام لأن الكتاب والمعلقين قد يمانعون في الكتابة عما يجول بخاطرهم فيما يتعلق بالحكومة إذا عرفوا أن الحكومة ستراقب ما يكتبوه.
اشتراطات الإيداع في المكتبة الوطنية تبدو أهدافاً مشروعة يمكن تفهمها لأنها تستهدف ضمان توفر مصادر معلومات متنوعة للجمهور ولذلك فإن تلك الاشتراطات يمكن أن يُقال عنها أنها تدعم الحق في حرية التعبير وبالإمكان القول أنها تتوافق مع القانون الدولي.[11]

نموذج بديل: التنظيم الذاتي
يُؤكد ما طرح أعلاه في الأقسام السابقة المخاطر المتعلقة بقيام الحكومة بتنظيم الصحافة أن القوانين التي تخدم ظاهرياً غاية مشروعة تتحول إلى أداة لقمع الأصوات المعارضة. يستكشف هذا القسم بديلاً آخر وهو بديل التنظيم الذاتي للإعلام المطبوع.
يمكن أن يساعد مرور الزمن في معالجة مشاكل وجود مقالات غير متوازنة أو مقالات سطحية أو المقالات التشهيرية. إذا ما تم خداع الجمهور بمقالات عاطفية أو تحريضية فإن اهتمام الجمهور سوف يتضاءل عندما يبدءون في التمييز بين الوسائل الإخبارية ذات الجودة والصحافة الصفراء. في جميع الدول الديمقراطية المتقدمة هناك سوق صغيرة جداً لتلك المطبوعات لأنه يُنظر إليها على أنها مصدر للترفيه وليس مصدر للمعلومات الموثوق بها ولذلك فإن التهديد الذي تمثله تلك الصحف صغير جداً ولا يبرر تقييد حرية الصحافة ككل. 
في المقابل ليس هناك صحيفة مُحصّنة من الوقوع في خطأ نشر تقارير غير أخلاقية أو غير مهنية ولذلك فإن شكل معين من أشكال الرقابة على الأنشطة الصحفية قد يخدم لتحقيق مصلحة عامة. المشكلة هي أن الحكومات تفتقر القدرة على العمل كجهات حيادية لإنفاذ المعايير المهنية بالنظر إلى علاقة الحكومات المعادية في الغالب لوسائل الإعلام.
من أجل حل هذه المعضلة قام الصحفيون والمطبوعات في العديد من الدول الديمقراطية بنفسهم بتنظيم قطاع وسائل الإعلام المطبوع. حيث قاموا بإنشاء آليات خاصة تسمى عادة "مجالس الصحافة" ومهمتها هي رفع المعايير الصحفية وتوفير المعالجات ضد أي تقارير غير مهنية أو غير دقيقة وبذلك فهي تلغي الحاجة للتنظيم الحكومي. تشمل أنشطة مجالس الصحافة عادة وضع المعايير من خلال تبني مدونة سلوك أو مدونة ممارسات وتوعية العاملين في المجال الإعلامي والجمهور بشكل عام حول هذه المدونة والفصل في الشكاوى المقدمة من الجمهور. في معظم الحالات تكون العقوبة الوحيدة المتاحة أمام مجلس الصحافة هي اشتراط أن تقوم الوسيلة الإعلامية المخطئة بطباعة ونشر قرار مجلس الصحافة المتعلق بمخالفتها للمدونة. ليس لدى مجالس الصحافة سلطات إنفاذ القانون مثل الجهات الحكومية ولذلك فهي تعتمد على الالتزام الطوعي بقراراتها إلا أنه وبسبب أن تلك المجالس تتكون من أفراد لديهم خبرات خاصة في مجال الإعلام وتطبق قواعد تم وضعها من خلال حوارات ونقاشات ضمن القطاع فإن معظم العاملين في مجال الإعلام يأخذون على محمل الجد قرارات مجالس الصحافة وينشرون الردود أو التصحيحات أو أي بيانات أخرى عند الإيصاء بذلك من قبل مجالس الصحافة. ولذلك فإن ضغط الزملاء والإحراج الذي يتسبب فيه عدم الانصياع لتوصياتهم يمكن أن يكون أداة فاعلة جداً في دعم زيادة المهنية في هذا القطاع. لقد أدى نجاح آليات التنظيم الذاتي في العديد من الدول إلى دفع اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إلى أن تعلن أن:
يُعدّ التنظيم الذاتي الفاعل أفضل نظام لدعم الالتزام بالمعايير العليا في مجال الإعلام.[12]
من المفارقة أن العديد من الحكومات حاولت تنفيذ هذه التوصية من خلال النص على إلزامية إنشاء هيئات التنظيم الذاتي وهددت العاملين في الإعلام بملاحقتهم جنائياً إذا ما خالفوا القواعد الأخلاقية التي تتبنها هذه الهيئات. من الواضح أن أي نوع من التنظيم الذي تفرضه الحكومة قسراً لا يمكن أن يعتبر تنظيماً ذاتياً وإنما يمك اعتباره في أفضل الحالات تنظيماً قانونياً صادر عن المهنة نفسها وهو بذلك معرض لإساءة الاستخدام مثله مثل القوانين الأخرى.
ومع ذلك هناك وسائل حصيفة يمكن من خلالها للدولة أن تشجع التنظيم الذاتي. على سبيل المثال بالإمكان اشتراط أن تقوم المحاكم بأخذ النتائج التي يخرج بها مجلس الصحافة في الحسبان عندما تصدر أحكاماً في قضايا التشهير. إذا ما التزمت الوسيلة الإعلامية المعنية سابقاً بالتوصيات من خلال نشر تصحيح أو رد فإنه يتم تخفيف أي حكم يتعلق بالتشهير يصدر ضد تلك الصحيفة بناءً على تاريخها في الالتزام. يمكن أيضاً أن يعطى لمجلس الصحافة الحق في التعليق على أي مقترحات قانونية قد تؤثر على الإعلام المطبوع.
بينما لا يوجد ربما نموذجاً كاملاً للتنظيم الذاتي إلا أن الملاحظات التالية قد تم استخلاصها من التجارب المقارنة للعديد من الدول.
    ·آلية التنظيم الذاتي ينبغي أن تغطي وسائل الإعلام المطبوع بأكبر قدر ممكن من الشمولية. إن سلطة القطاع ككل في ممارسة الضغط الإيجابي من أجل تحقيق المهنية هي أكبر من قدرة نادي معين يضم المطبوعات المتشابهة أو المتقاربة.
    ·ينبغي أن تسعى الهيئة الناظمة ذاتياً إلى إعداد مدونة سلوك وطنية واحدة بالتشاور مع قطاع واسع من الأطراف المعنية وبشكل خاص بالتشاور مع ممثلي الهيئات الإعلامية الأخرى مثل اتحادات أو نقابات الصحفيين.
    ينبغي أن تعالج مدونة السلوك/ الأخلاق بحد أدنى ما يلي:
        احترام حق الجمهور في المعرفة
        الدقة في جمع الأخبار وكتابتها
        النزاهة في وسائل الحصول على الأخبار والصور والوثائق
        الحساسية في التقارير للفئات المعرضة للخطر مثل الأطفال وضحايا الجريمة
        عدم التمييز بناءً على العرق أو المنشأ أو الدين أو الجنس أو التوجه الجنسي
        احترام مبدأ افتراض براءة الشخص عند الكتابة حول الوقائع الجنائية
        حماية مصادر المعلومات السرية
        واجب تصحيح المعلومات المنشورة إذا وجد أنها غير دقيقة أو ضارة
    ·ينبغي إعطاء اهتمام خاص لمسألة هوية الأشخاص المسئولين عن الجهة المعنية بالشكاوى. المجالس الأكثر نجاحاً هي المجالس التي تضم في عضويتها قطاعات واسعة بما في ذلك أفراد من الشعب وكذلك مُلّاك وسائل الإعلام والصحفيين.
    ·على الجهة المعنية بالشكاوى الفصل في الشكاوى بشكل سريع وحرّ من خلال عملية مفتوحة. بينما ينبغي إعطاء كلا الطرفين فرصة كافية ومتساوية لعرض وجهات نظرهما إلا أن الإجراءات في الوقت نفسه ينبغي أن لا تكون معقدة ومرهقة.
    من النموذجي أن يتم إنشاء آليات التنظيم الذاتي من قبل قطاع الإعلام المطبوع نفسه وأن يتم سنوياً الكشف عن موازنتها التشغيلية.
[1] الملاحظات الختامية للجنة حقوق الإنسان: ليسوثو، 8 أبريل 1999م، وثيقة الأمم المتحدة رقم CCPR/C/79/Add.106 الفقرة 23.
[2] الملاحظات الختامية للجنة حقوق الطفل: أوزباكستان، 7 نوفمبر 2001م، وثيقة الأمم المتحدة رقم CRC/C/15/Add.167 الفقرة 37.
[3] لابتسفيتش ضد روسيا البيضاء، 20 مارس 2000م، البلاغ رقم 780/1997م، وثيقة الأمم المتحدة رقم CCPR/C/68/D/780/1997 الفقرة 8-1.
[4] المرجع السابق الفقرة 8-5.
[5] المرجع السابق.
[6] تم تبنيه في 18 ديسمبر 2003م ومتوفر على الموقع http://www.unhchr.ch/huricane/huricane.nsf/view01/93442AABD81C5C84C1256E000056B89C?opendocument.
[7]جاويدا ضد بولندا، 14 مارس 2002م، الطلب رقم 26229/95 (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان) الفقرة 43.
[8] أكس بارتي جاكسون، 96 يو إس 727 (1877)
[9] فيرينيجونج ديموكراتيكر سولداتن أوستيريتش وجوبي ضد النمسا، 19 ديسمبر 1994م، الطلب رقم 15153/89 (المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان).
[10] المرجع السابق الفقرة 38.
[11] يطلب أحياناً من مؤسسات البث الاحتفاظ بنسخ من المواد التي تبثها لمدة ثلاثين يوماً مثلاً في حال أن يشتكي أي شخص منها. طبعاً هذه الحالة مختلفة عن موضوع هذه الورقة.
[12] إعلان المبادئ حول حرية التعبير في أفريقيا، المبدأ 9.
- See more at: http://www.article19.org/resources.php/resource/3023/ar/