دراسة حول تطوّر وسائل الإعلام والاتصال بتونس منظومة تعديل تخدم حرية التعبير و التعدّدية و التنوّع في وسائل الإعلام الجزء 1



المؤشرات الرئيسية
الصنف الأول : منظومة تعديل تخدم حرية التعبير والتعدّدية والتنوّع في
وسائل الإعلام والاتصال
أ - الإطار التشريعيّ والسّياسي
المؤشّر 1.1 حرّيّة التعبير يضمنها القانون وتحترمها الممارسة
المؤشّر 2.1 الحقّ في الإعلام مضمون قانونا ومحتَرَمٌ على مستوى التطبيق
المؤشّر 3.1 استقلالية الخطّ التحريري مضمونة قانونا ومحترَمة في الممارسة الواقعيّة
المؤشّر 4.1 حماية مصادر الصحفيين حقٌّ يضمنه القانون و محترَم في مستوى التطبيق
المؤشّر 5.1 يساهم العموم ومنظّمات المجتمع المدنيّ في إعداد السياسة العامة في مجال وسائل
الإعلام والاتصال
ب - منظومة تعديل القطاع السّمعيّ والبصريّ
المؤشّر 6.1 استقلاليّة منظومة التعديل يضمنها القانون وهي محترَمة على أرض الواقع
المؤشّر 7.1 يجب أن تعمل منظومة التعديل على ضمان تعدّديّة وسائل الإعلام والاتصال وحرية التعبير
والإعلام
ت - القوانين المتعلّقة بالثّلب والتضييقات على الصحفيّين
المؤشّر 8.1 لا تفرض الدولة قيودا قانونية غير مبرّرة على وسائل الإعلام
المؤشّر 9.1 القوانين المتعلّقة بالثلب تفرض تضييقات محدودة جدّا وضرورية لحماية سمعة الأفراد
المؤشّر 10.1 التضييقات الأخرى على حرّيّة التعبير، القائمة على أساس الأمن الوطنيّ، و استعمال
عبارات تعبّر عن الحقد و المسّ بالحياة الخاصّة و الإخلال بهيبة هيئة المحكمة و العبارات البذيئة، يجب
أن تكون واضحة و أن يُحدّدها القانون بدقّة و أن تكون معلَّلةً بصفتها إجراءات ضروريّة في مجتمع
ديمقراطيّ و مطابقة للقانون الدوليّ.
ث - الرقابة
المؤشّر 11.1 وسائل الإعلام ليستْ خاضعة لرقابة مسبّقة لا في مستوى القانون ولا في مستوى
الممارسة
المؤشّر 12.1 لا تسعى الدّولة إلى مراقبة محتويات شبكة الانترنت التي تُعتبر حسّاسة أو مزعجة
الصنف الأول : منظومة تعديل تخدم حرية التعبير والتعدّدية والتنوّع في
وسائل الإعلام والاتصال
أ - الإطار التشريعيّ والسّياسيّ
المؤشّر 1.1
حرّيّة التعبير يضمنها القانون وتحترمها الممارسة
عند أوّل انتخابات حرّة منذ استقلال البلاد سنة 1956 التي جرت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأوّل 2011 ،
انتخب التونسيّون مجلسا وطنيّا تأسيسيّا وكُلِّف أعضاؤه ال 217 بتحرير دستور جديد يجسّم
قطيعة نهائيّة مع منظومة القمع السابقة، وهم مكلفون أيضا بممارسة السّلطة التشريعية
ومراقبة عمل الحكومة. وقد انبثقتْ عن المجلس الوطنيّ التأسيسيّ ستُّ لجان تأسيسيّة منها «لجنة
الحقوق والحرّيّات » وهي مكلَّفة بملفّات من بينها ملفّ الإعلام والصّحافة، وثماني لجان تشريعيّة منها
«لجنة الحقوق والحرّيّات والعلاقات الخارجيّة »، وأربعُ لجان خاصّة 17 . وأثناء إعداد هذا التقرير، صدرتْ
مسودة تتضمّن تقدّم أشغال اللجان التأسيسيّة من 13 فيفري/شباط إلى 10 أوت/آب 2012 18 .
لا يتّسع هذا التقرير لتقديم تحليل مفصَّل لمسودة غير رسميّة للدستور. إلاّ أنّه يجدر التنويه
بالإيجابيّات التي تضمّنتها هذه المسودّة من خلال إدراج فصل هامّ خاص بالحقوق والحريّات يضمن حرّيّة
الرأي والتعبير والإعلام والإبداع. ويمكن أن تدعم توصيات اليونيسكو 19 ومنظّمة المادّة 19  ، ومنظّمةُ
العفو الدولية 21 والخبراءُ الدوليّون الآخرون نص هذه الضمانات وفقا للقانون الدوليّ.
وينبغي على وجه الخصوص التنصيص بدقّة على أنّ الحق في حرّيّة التعبير يشمل حقَّ البحث عن
المعلومات والأفكار وتلقّيها وبثّها وذلك باستعمال أيّة وسيلة اتصال بما في ذلك الصحافة المكتوبة
والإعلام السمعيّ والبصريّ والأعمال الإبداعيّة والكتُب والفنون والبحث الأكاديميّ والتواصل الإلكتروني
والشّفويّ. وينبغي أيضا التنصيص بصفة جليّة على أنّ تكون حدود الحقّ في التعبير وحقّ النفاذ إلى
المعلومة واضحة بدقّة ومضبوطة بنص قانوني. كما يجب التأكيد على أنّ هذه الحدود ضرورية في
حماية حقوق الآخرين وسمعتهم أو في المحافظة على الأمن الوطنيّ والنظام العامّ والصحة والأخلاق
العامّة.
وتعلن المسودة الحاليّة للفصل 16-II من الدستور على ما يلي: «الدولة راعية للدين، كافلة لممارسة
الشعائر الدينية ، وتجرّم الاعتداء على المقدّسات ». ومن الواضح أنّ هذه المادّة الأخيرة غير مطابقة
للقانون الدّوليّ، إذ أن الفصل 20 من الميثاق الدّوليّ للحقوق المدنيّة والسياسية يمنع تعمّد الدعوة إلى
«الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف »22 ، ولكنّ
نقد الدين والمعتقدات يبقى مكفولا ما لم ثُميّل حثّا على ذلك.
ويعتبر تحرير دستور جديد فرصة تاريخية لتونس حتّى تكون في طليعة دول العالم العربيّ في مجال
الانتقال نحو نظام ديمقراطيّ وضمان حقوق الإنسان والحرّيّات للشعب. وينبغي أن يتضمّن الدستور
الجديد فصلا مستفيضا عن حقوق الإنسان يكون مطابقا للقانون الدّوليّ ويؤكّد أنّ المعاهدات التي
صادقتْ عليها تونس لها قوّة القانون وخصوصا التراتيب الخاصّة الرامية إلى ضمان حرّيّة التعبير بما
فيها حرّيّة وسائل الإعلام والاتصال وحرّيّة النفاذ إلى المعلومة.
ويمكن وضع تراتيب دستوريّة أخرى تساعد على دعم حقّ حرّيّة التعبير مثل تأكيد استقلاليّة أجهزة
تعديل وسائل الإعلام والاتصال وحماية مصادر المعلومة التي يحصل عليها الصحفيّون.
إنها لمفارقة في الانتقال السياسيّ في تونس: ذلك أنّه بعد سنوات من القمع تنطلق ممارسة حرية
التعبير بصفة فعليّة، والحال أنّ الضمانات الدستوريّة الدنيا لحرية التعبير التي جاء بها دستور 1959
قد وقع تعليق العمل بها. هذا فضلا عن أنّ البلاد تعيش منذ سقوط نظام بن علي تحت قانون حالة
الطوارئ الذي يقضي بمنح سلطات واسعة للسلط العمومية ويشرّع لإمكانية التضييق على حرّيّة
التعبير. ومن جهة أخرى تم إطلاقُ سراح الصحفيّين الذين حكم عليهم بموجب القوانين القمعيّة
المعمول بها في النظام السابق إثر إصدار عفو عامّ مثّل أحد القرارات الأولى التي اتّخذتها الحكومة بعد
ثورة 14 جانفي/كانون الثاني 2011 23 .أما قانون الصحافة الجديد الذي ينظر فيه حاليّا المجلس الوطنيّ
التأسيسيّ )المرسوم عدد 115 لسنة 2011 ( 24 فيشتمل في فصله الأوّل على إعلان قويّ وشبه دستوريّ
متعلّق بحرّيّة التعبير ووسائل الإعلام، وهو التالي :
« الحقّ في حرّيّة التعبير مضمون ويمارَس وفقا لبنود الميثاق الدّوليّ للحقوق المدنيّة والسياسية وبقيّة
المواثيق الدّوليّة ذات العلاقة المصادق عليها من قبل الجمهوريّة التونسيّة و أحكام هذا المرسوم.
يشمل الحقُّ في حرّيّة التعبير حريةَ تداول ونشر و تلقي الأخبار والآراء و الأفكار مهما كان نوعها .
لا يمكن التقييد من حرّية التعبير إلا بمقتضى نص تشريعي وبشرط :
 أن تكون الغاية منه تحقيق مصلحة مشروعة تتمثل في احترام حقوق وكرامة الآخرين أو حفظ
النظام العام أو حماية الدفاع والأمن الوطني.
 و أن تكون ضرورية ومتناسبة مع ما يلزم اتخاذه من إجراءات في مجتمع ديمقراطي ودون أن تمثل خطرا
على جوهر الحق في حرية التعبير و الإعلام 25 .
إنّ صياغة بمثل هذا الوضوح ينبغي أن تُضمَّن في الدستور الجديد.
وفي انتظار المصادقة عليه من المهمّ أن نسجّل ملاحظات حول الإطار الانتقاليّ. فدستور الجمهوريّة
التونسيّة لسنة 1959 ينص على ما يلي: «حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع وتأسيس
الجمعيّات مضمونة، و اُمترَس حسب ما يضبطه القانون 26 » . غير أن هذا الإعلان لا يقدّم إلا ضمانا
ضعيفا. فقد ب التاريخ ، أنه بالإمكان سحب هذا الضمان أو التراجع عنه واعتماد قوانين قمعيّة
مثل قانون الصحافة لعام 1975 أو المجلة الجزائية، لفتح ملفّات قضائية ضدّ وسائل الإعلام والاتصال
والصحفيّين. ولا يتضمّن دستور 1959 أيّ تقييد لإصدار القوانين المتعلقة بالحدّ من حرّيّة التعبير.
في توطئة المرسوم عدد 14 لسنة 2011 المؤرّخ في 23 مارس/آذار 2011 المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلط
تم التنصيص على أنه إثر الشغور النهائيّ لمنصب رئاسة الجمهوريّة يوم 14 جانفي « 2011 صار من
المتعذّر التطبيق الكامل لأحكام الدستور 27 » . وضمّ هذا المرسوم تراتيب انتقاليّة لممارسة السّلطات
العموميّة بما في ذلك سنّ قوانين بمقتضى مرسوم رئاسيّ، ولكنه لم يحافظ على ضمانات الحقوق
والحرّيّات.
وبعد انتخابات المجلس الوطنيّ التأسيسيّ يوم 23 أكتوبر/تشرين الأوّل 2011 تم تبنّي «دستور صغير »
عوّض المرسوم عدد 14 لسنة 2011 وأكّد أنّ المجلس الوطنيّ التأسيسيّ « يقرّ...ما تم من تعليق العمل
بدستور الأول من جوان 1959 ويقرر إنهاء العمل به بصدور هذا القانون التأسيسيّ 28 » .
وقد تضمّن «الدستور الصغير » تنظيم السلط العموميّة بما في ذلك سير نشاط المجلس الوطني
التأسيسيّ ذاته في انتظار إعداد دستور جديد. وجاء في التوطئة أن الأعضاء يعلنون بوضوح نيّتهم في
تحقيق مبادئ الثورة و أهدافها و وفاءَهم لأرواح الشهداء و لتضحيات الشعب التونسيّ عبر الأجيال .
يؤكّدون حرصهم على العمل على نجاح المسار الديمقراطي الدستوري و ضمان حقوق الإنسان و الحرّيّات.
غير أن هذا الإعلان لا يمثّل ضمانا قانونيّا للحقوق والحرّيّات. وقد زاد من إضعافه واقع البلاد التي ما زالت
تخضع لقانون الطوارئ الذي تم تأكيده في اليوم الموالي بمرسوم صادر عن الرئيس المؤقّت فؤاد المبزع 29 .
يرجع تاريخ قانون حالة الطوارئ إلى عهد الحبيب بورقيبة، وقد وقع تطبيقه لأوّل مرّة سنة 1978 . 30
و تم العمل به من 26 جانفي/كانون الثاني إلى 24 فيفري/شباط 1978 وذلك إثر إضراب عامّ قاده الا اّحتد
العامّ التونسيّ للشّغل. وتم تطبيقه مرّة أخرى من 3 إلى 25 جانفي/كانون الثاني 1984 خلال ما عرف
في تونس بأحداث الخبز 31 .
ويسمح قانون الطوارئ للحكومة بمنع الإضرابات والمظاهرات والاجتماعات العامّة و بالحدّ من حرّيّة
التّنقّل وبفرض منع الجولان وغير ذلك من أشكال الحدّ من الحرّيّة، وهو يعطي وزير الداخلية الحقّ في
«اتّخاذ جميع الإجراءات لضمان مراقبة الصحافة والمنشورات بمختلف أنواعها وكذا الشأن في البثّ
الإذاعي وفي العروض السينمائية والعروض المسرحية »وذلك على كامل تراب البلاد التي تخضع
لقانون الطوارئ.
انطلق العمل إذا في كامل البلاد منذ 15 جانفي/كانون الثاني 2011 بأحكام قانون حالة الطوارئ .
وقد تم التمديد فيه ثماني مرّات، حيث أصدر فؤاد المبزّع  ثلاث قرارت بهذا الشأن في حين مدّد خلَفه
الرئيس منصف المرزوقي 34 العمل بهذا القانون خمس مرات ، آخرها تمديد قانون الطوارئ إلى غاية
30 سبتمبر/أيلول 2012 . ومن بين الأسباب المقدَّمة للإبقاء على حالة الطوارئ، استمرار الاحتجاجات
الاجتماعيّة والمظاهرات والصدامات القبليّة خصوصا في جنوب البلاد ومراقبة عصابات تهريب السلاح
والسلع  . وفي إعلان واكب التمديد الأخير تم التأكيد على أنّ حالة الطوارئ يجب ألا تمسّ بالحريات
الشخصية والعامّة للتونسيّين . إلاّ أنّ قانون الطوارئ ذاته يفتقر إلى جميع وجوه هذه الحماية، وقد
أثار استعماله المتواصل قلق المدافعين عن الحرّيّات المدنيّة وأصبحوا يشكّون في الأسباب التي تعلّله  .
وينص القانون الدوليّ خلال فترات تطبيق حالة الطوارئ على اتخاذ تضييقات محدودة جدّا في مجال
حقوق الإنسان، ولا تكون إلا «في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدّد حياة الأمّة 38 » .و يجب أن تكون
تلك التضييقات « في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع » ويجب ألا تتنافر مع التزامات تونس الأخرى
عملا بأحكام القانون الدوليّ.
في الوقت الذي مازال فيه الدستور الجديد «بصدد الإعداد »، تحافظ تونس على التزامات دوليّة هامّة
بصفتها دولة طرفا في معاهدات دوليّة متعلّقة بالحقّ في حرّيّة الرأي والتعبير بما في ذلك الميثاق الدّوليّ
للحريّات المدنيّة والسياسيّة والميثاق الدّوليّ للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، والاتفاقية
الدولية الخاصة بمكافحة كلّ أشكال التمييز ضد المرأة، والمعاهدة الخاصّة بحقوق الطفل. ومن أبرز
القرارات التي اتخذت في بداية عهد الحكومة الانتقالية، المصادقة في 19 فيفري/شباط 2011 على
البروتوكول الاختياري المتصل بالميثاق الدّوليّ للحريّات المدنيّة والسياسيّة  . وهو بروتوكول يمكّن الأفراد
من رفع شكوى إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدّة في حالة خرق هذا الميثاق من قِبل أي دولة
من البلدان الممضية عليه.
وفي التاريخ ذاته تم تأكيد قبول تونس في المحكمة الجنائية الدولية وفي المعاهدة الدوليّة لحماية جميع
الأشخاص من الاختفاء القسريّ  وانضمامها إلى البروتوكول الاختياري المتصل لاتفاقية مناهضة
التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة . وتدلّ هذه القرارات
التي قوبلتْ باستحسان على نيّة جدّيّة للحكومة بخصوص دعم احترام تونس للمعايير الدوليّة في
مجال حقوق الإنسان نصا وممارسة.
وقد ألغتْ تونس أيضا جلَّ تحفّظاتها بخصوص المعايير الدوليّة في مجال حقوق المرأة التي تضمّنتْها
معاهدةُ القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة . و إلاّ أنّ الحكومة حافظت على «الإعلان العامّ »
الخاص بهذه المعاهدة وأكّدتْ أنّها لن تتخذ أيّ قرار قانوني أو تشريعيّ غير مطابق للفصل الأوّل من
الدستور التونسيّ. وبعث هذا الإعلان شكّا بخصوص التزام الدولة التونسيّة بجملة الحقوق الواردة في
معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وترك الباب مفتوحا على مسألة تقديم الشريعة
الإسلاميّة على المعاهدة المذكورة. وينبغي أن يكون نصّ الدستور الجديد مطابقا لمتطلِّبات معاهدةُ
القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وأن تسحب تونس تأييدها ل »الإعلان العامّ
إضافة إلى هذه الالتزامات الدوليّة، فإنّ الدولة التونسية قد وقّعت على الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان
والشعوب وعلى الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته، وقد أمضتْ أيضا على الميثاق العربي لحقوق
الإنسان لكنها لم تصادق عليها.
المؤشّر 2.1
الحقّ في الإعلام مضمون قانونا ومحتَرَمٌ على مستوى التطبيق
لا يتضمّن دستور الجمهوريّة التونسيّة لسنة 1959 أيّ ضمان للحقّ في الإعلام، ولا يذكر إلا حرّيّة الرّأي
والتعبير. أما في مستوى الممارسة التطبيقيّة فقد اتّصف عهد بن علي بالتكتّم الشديد على الشأن
العام. إنّ تحرير الدّستور الجديد يوفر للهيئات الحكومية فرصة وضع أسس لثقافة انفتاح جديدة وذلك
بأن يُدرَج فيه على نحو صريح ضمانُ دستورية الحقّ في الإعلام.
لقد تحقّقتْ خطوة إلى الأمام في مجال الحق في الإعلام وذلك بتبنّي المرسوم عدد 41 لسنة 2011
المتعلّق بحق النفاذ إلى الوثائق الإداريّة  للهياكل العمومية . وهذا القانون وهو الأول من نوعه في
تونس تدعّم في مرحلة ثانية  بالتقليص من الاستثناءات وبإعداد جزئي لفترة إمهال مدتها سنتان
بهدف استكمال إجراءات التلاؤم التام ابتداء من دخوله حيز التنفيذ.
غير أن هذا المرسوم بعيد عن أن يُوفّر الحقّ في الإعلام 46 . ومن المهمّ إيجاد قاعدة دستوريّة للحقّ في
الإعلام وتبنّي قانون أساسي لتركيز هذا الحقّ على نحو شامل. وما ينبغي ملاحظته بصفة خاصّة هو
أنّ حقل تطبيق المرسوم يهمّ «الوثائق الإداريّة » لا «المعلومة » التي تملكها السلطات العموميّة. ولذلك،
فانه يمكن أن ممارسة تضييقات على الأشخاص في التمتّع بحقهم في الإعلام إذا كانوا عاجزين عن
التحديد الوثيقة التي توجد فيها المعلومة أو إذا كانت المعلومة التي يبحثون عنها غير مطبوعة .
وينصّ القانون على حقّ رفض نشر وثيقة ما، على أساس الحماية القضائية للبيانات ذات الطابع
الشخصيّ، أو خرق حقوق الملكية الأدبيّة و الفنّيّة أو بمقتضى قرار قضائي أو إذا تعلّق الأمر بوثيقة
تحصّل عليها الهيكل العمومي المعني بعنوان السرّيّة . وينصّ أيضا الفصل 17 من المرسوم المذكور
على حالات استثناء أخرى تستطيع فيها المؤسسة العموميّة رفض تسليم الوثيقة خصوصا إذا حصل
من نشرها إلحاق أضرار ب :
- العلاقة بين الدُول أو المنظّمات الدوليّة.
- وضع سياسة حكوميّة ناجعة أو تطويرها.
- الأمن العام أو الدّفاع الوطنيّ.
- الكشف عن الجرائم أو الوقاية منها أو البحث الجنائيّ.
- إيقاف متّهمين أو التأثير في القضايا المنشورة لدى المحاكم.
- حسن سير المرفق القضائي واحترام مبادئ العدل والإنصاف ونزاهة عمليات إسناد الصفقات العموميّة.
- مسار المداولات وتبادل الآراء ووجهات النّظر أو الفحوص أو التجارب، أو الإضرار بالمصالح التجاريّة الماليّة
و المشروعة للهيكل العمومي المعني.
ومن المهمّ ألا تُطبَّق الاستثناءات الواردة في الفصل 17 إذا أقرّ القانون وجوب الإعلان عن محتواها في
الفضاء العمومي، أو إذا كان نشرها ضروريّا لعرض خرق خطير لحقوق الإنسان أو جرائم حرب أو متابعتها
، أو عندما يؤدّي عرضُها إلى تغليب المصلحة العامّة على المصلحة الشخصيّة لأسباب تتعلّق بالصّحّة
أو بالأمن أو بحماية البيئة أو بخطر الجريمة والفساد والارتشاء أو بتسيير القطاع العموميّ تسييرا
سيّئا .
ويضع القانون الدّوليّ ثلاثة شروط للاستثناءات التي تحدّ من حق النفاذ إلى المعلومة وهي: أن يخدم
هذا الاستثناء مصلحة مشروعة، وأن تكون قانونيّة، وأن يكون نشرها أكثر إضرارا بمصلحة مشروعة
من عدم نشرها. والمرسوم- بصفة عامّة، مطابق للمعايير الدوليّة، غير أنّ وجود سلطة عموميّة غير
متعاونة في سبيل إرساء هذا الحقّ، تستطيع أن تجد تبريرات في قائمة الاستثناءات لتمنع شخصا ما
من حقّه في الإعلام. ولم ينصّ المرسوم عدد 41 على سلطة إداريّة مستقلّة، يمكن أن يكون آليّة يلجأ
إليها المواطن في حالة منع السلطة العموميّة تسليم المعلومات المطلوبة منها بصفة مشروعة.
ولئن قوبلتْ المصادقةُ على هذا القانون بارتياح فإنّ تطبيقه ما زال محتاجا إلى الاختبار. فلقد تم إصدار
منشور بخصوص تطبيق هذا القانون في 5 ماي/أيار 2012 يصف الجوانب القضائية والإجرائيّة للسلط
العموميّة بما في ذلك النشر النشيط وكيفيّة تلبية مطالب العموم. وقد أعلنتْ الحكومة في 17 أوت/
آب 2012 عن وضع بوابة موحَّدة على الشبكة العنكبوتية تضمّ البيانات الصادرة عن الوزارات والهيئات
التابعة للوزارة الأولى في مختلف ميادين النشاط . وهي تفرض على السلطات العموميّة أن تنجز
برامج تكوين وتحسيس وأن تحترم التزامات النشر النشيط قبل شهر ماي 2013 .
من المفيد أن نذكر أنّ تونس قد صادقتْ سنة 2008 على معاهدة مناهضة الفساد التي فُسِّر الفصل
10 منها بكونه إلزاما للدول الموقِّعة عليها بتبنّي القوانين التي تضمن الحقّ في الإعلام.
وقد عبّرتْ تونس أيضا عن نيّتها في الانضمام إلى «شراكة الحوكمة المفتوحة » التي انطلقتْ في 2011 .
وللحصول على العضويّة في هذه الشراكة يجب على البلدان المشاركة أن تتبنّى ميثاقا من الدرجة
العليا حول الشفافيّة الحكوميّة، وأن تقدم خطّة عمل وطنيّة منجَزة في إطار استشارة عموميّة، وأن
تلتزم بإعداد دراسة مستقلّة عن مشاريع التطوير التي ستقوم بها مستقبلا.
ويجب أن نلاحظ أيضا وجود بعض المجموعات من المجتمع المدنيّ مثل مجموعة «الحوكمة المفتوحة » وهي
مجموعات تلعب دورا إيجابيّا في تطوير سبل النفاذ إلى المعلومة ومراقبة مدى التقدم في اتجاه تحقيق
حوكمة مفتوحة .
المؤشّر 3.1
استقلالية الخطّ التحريري مضمونة قانونا ومحترَمة في الممارسة الواقعيّة
في عهد بن علي كان تأثير الحكومة على الخطّ التحريري في وسائل الإعلام العموميّة والخاصّة آليّا.
وقد استغلّت مؤسسات الصحافة والإذاعة والتلفزة المملوكة للدّولة كوسائل للدعاية السياسيّة.
وكانت التحقيقات الميدانيّة مراقبَة بصفة دقيقة. ومثّلت تغطية أنشطة الرئيس ركنا يوميّا قارّا. أمّا
تسمية المسؤولين على رأس وكالة تونس إفريقيا للأنباء ومؤسسة التلفزة التونسيّة والشركة الجديدة
للطباعة والصحافة والنشر فتتمّ دائما على قاعدة الولاء. وكان اختيار المسؤولين يرتكز على أساس
كونهم أعضاء نشيطين في التجمّع الدستوريّ الديمقراطيّ وموالين لبن علي، وهم مسؤولون بصورة
مباشرة أمام الحكومة عن طريق وزارة الاتصال.
واتسم وضع وسائل الإعلام الخاصّة بهشاشة استقلاليتها . وساندت الصحف الخاصّة أيضا، وهي
تتمتع بانتشار واسع، الا اّجته الحكوميّ مقابل السماح لها بدخول شبكة توزيع الصّحف وإعطائها جزءا
من موارد الإشهار التي كانت تراقبها سلطة مركزيّة تتمثل في الوكالة التونسية للاتّصال الخارجيّ.
وكانت تراخيص الإذاعات الخاصّة ومحطات البثّ التلفزيّ توزع على شخصيات تعتبر موالية للحكومة.
ويمتلك أفراد العائلة الحاكمة والمتعاونون المقرَّبون منها أسهما في وسائل الإعلام الخاصّة. وتعتمد
التحقيقات الميدانيّة )أو الريبورتاجات( في جانب كبير منها على وكالة تونس إفريقيا للأنباء، التي
تسيطر عليها الحكومة.
وكانت بعض صحُف المعارضة تمارس هامشا محدودا من الاستقلالية في مستوى الخطّ التحريري،
ومقابل ذلك لم تستفد هذه الصحف من الإشهار العموميّ. وهي لا تكاد تُرى في نقاط بيع الصّحف
وكانت خاضعة لنظام رقابة مسبّقة عادة ما تسبب في إيقاف نشرها أو تأخيره  .
ومنذ 14 جانفي/كانون الثاني 2011 تغيّرتْ الظروف المحدّدة لمدى استقلالية الخطّ التحريري تغيّرا
جذريّا وأُلغيتْ المنظومة المركزيّة للرقابة. ولم تعدْ وسائل الإعلام تسعى إلى محاباة الحكومة، وصارت
التحقيقات الميدانيّة الناقدة لها متواترة في الصحافة وفي الإذاعة. إلاّ أنّه في غياب إصلاح للمنظومة
القانونية ولهيكلة المؤسسات الإعلامية العمومية خصوصا فيما يتعلّق بتعيين المسيّرين ظلت
المخاوف من خطر تدخّل الحكومة قائمة.
ومنذ الثورة حاولت المؤسسات الإعلامية العمومية، تحت القيادة الجديدة، تطوير أنموذج المرفق العمومي،
وقد حقّقت في ذلك بعض النجاح. وخلال المدّة التي أعقبتْ الثورة كوّن الصحفيّون أنفسهم، داخل
لتبادل المعلومات حول حرية التعبير - تونس.
وسائل الإعلام العموميّة، هيئات تحرير للدفاع عن استقلاليّة مؤسساتهم، وسعوْا إلى جعْلها هياكل
قارّة.
ومنذ تشكيل الحكومة الجديدة عقِبَ انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأوّل 2011 تم تعويض مسيّري
المؤسسات الإعلامية العموميّة مجدَّدا بمقتضى أمر صادر عن رئيس الحكومة. وقد تمتّْ التعيينات دون
تنظيم استشارة عموميّة وهو ما أدّى إلى توتّر شديد بين الإدارة وهيئات التحرير  .
وفي 21 أوت، تم تعيين لطفي التواتي رئيسا مديرا عامّا جديدا على رأس «دار الصباح »، وهي مؤسسة
صحافة مكتوبة تحوّلت ملكيتها إلى الدولة بعد مصادرة أملاك عائلة بن علي. وأدّى تعيينُه إلى موجة
احتجاجات في وسط الصحفيّين بسبب مساره المهني المشبوه 56 .
ويبدو أنّ الحاجة ملحّة لضمان استقلاليّة التحرير في وسائل الإعلام العموميّ بواسطة إصلاح
المنظومة القانونية والهيكليّة.
ولئن كانت استقلالية الخطّ التحريري في وسائل الإعلام الخاصّة مضمونة بشكل أفضل، فإنها تواجه
أيضا سلسلة من الضغوطات الاقتصاديّة والسياسية بما في ذلك ضغوطات من أطراف غير حكوميّة.
ذلك أنّ جلّ الصحف تتحكّم فيها مجموعات ضغط سياسية أو تجاريّة ولذلك فإنّ أولوياتها تتمثل
في عدم إنتاج أيّ محتوى تحريريّ ضدّ مصالحها. أما أصحاب المحطات الإذاعية الخاصّة فهم منحازون
سياسيّا بدرجة كبيرة كما أثبتتْ ذلك تقارير رصد وسائل الإعلام التي أنجزت خلال الحملة الانتخابيّة  .
وتمثّل المجموعات الدينية المتطرّفة تحدّيا كبيرا أمام استقلالية الخطّ التحريري في وسائل الإعلام. وقد
نظّموا على وجه الخصوص تعبئة عامّة ضدّ بثّ قناة «نسمة » شريط صور متحرّكة فرنسيّ-إيرانيّ
عنوانه «برسيبوليس ». كما منعوا الجامعيّة الدكتورة إقبال الغربيّ من استلام منصبها على رأس
إذاعة «الزيتونة للقرآن الكريم » ذات الطابع الدينيّ. وقد أدّى ما حصل في قناة «نسمة » إلى تتبّعات
قضائية أثارت خلافا، وسيتم تناولها بتفصيل في القسم 10.1 المتعلّق بالتضييقات القضائية على
حرّيّة التعبير. أمّا الاعتداءات المباشرة والجسديّة وكذلك التهديدات فستتمّ معالجتها في القسم 13.3
الوارد أدناه والمخصَّص لسلامة الصحفيّين.
المؤشّر 4.1
حماية مصادر الصحفيين حقٌّ يضمنه القانون و محترَم في مستوى التطبيق
لقد مثّل المرسومُ عدد 115 لسنة 2011 المؤرّخ في 2 نوفمبر 2011  ، على النّحو المب في القسم 1.1
الوارد أعلاه،قطيعةً نهائيّة مع عهد بن علي في مجال حرّيّة الصحافة وذلك بتنقيح قانون الصحافة
لعام 1975 الذي لا يتضمّن أيّ ضمان لحقّ الصحفيين في المحافظة على سرّيّة مصادرهم.
فالفصل 11 من المرسوم عدد 115 ينصّ على ضمان قانوني لحماية المصادر بالعبارات التالية : تكون مصادر
الصحفيّ عند قيامه بمهامه ومصادر كلّ الأشخاص الذين يساهمون في إعداد المادّة الاعلامية محميّة .
كما يتضمّن الفصل 11 فضلا عن هذا ما يلي: «يعتبر إعتداء على سرّيّة المصادر جميع التحرّيات وكلّ
أعمال البحث والتفتيش والتنصت على المراسلات والاتصالات التي قد تتولاّها السلطة العامّة تجاه
الصحفيّ للكشف عن مصادره أو تجاه جميع الأشخاص التي تربطهم به علاقة خاصّة »، غير أنّ
الفصل 11 يتضمّن تضييقات هامّة.
ويقدّم الفصل 7 من المرسوم عدد 115 تعريفا ضيّقا للصحفيّ المحترف حيث لا يُعتبَر الصحفيّ محترفا
إلا إذا كان متحصّلا على شهادة عليا و ناشطا بصفة منتظمة في القطاع الصحفي، وأن يستمدّ منه
موارده الأساسيّة. وينص إعلان مبادئ حرّيّة التعبير في إفريقيا لسنة 2002 على أنّ الحقّ في التعبير
باستعمال وسائل الإعلام ومن خلال ممارسة العمل الصحفي يجب ألا تكون مقيَّدة بتضييقات قانونية
مشطّة. و يجب أن ينطبق حقّ حماية مصادر المعلومات على مجال ممارسة الصحافة بصفة عامّة  .
وينصّ الفصل 11 من هذا المرسوم على بعض الاستثناءات في حقّ حماية مصادر المعلومات. وهو
يُعطي للسلطات القضائية الحقّ في المطالبة بكشف هذه المصادر « إلاّ إذا كان ذلك مبرّرا بدافع ملحّ
من دوافع أمن الدولة أو الدفاع الوطنيّ 62 » . كما ينصّ أيضا على استثناءات في حالة وجود خطر
جسيم يهدّد السلامة الجسديّة للآخرين وأن يكون الكشف عن مصادر المعلومة ضروريّا لتفادي ارتكاب
جرائم أو أن تكون هذه المصادر من فئة المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بطريقة أخرى، وفي هذه
الحالة يخول للهيئة القضائية التي يرجع إليها النظر، دون سواها الإذن بكشف المعلومة ومصدرها.
ومن بين هذه الاستثناءات نذكّر بالاستثناء الأوّل الذي يعني «أمن الدولة والدفاع الوطنيّ » وهو استثناء
عامّ جدّا ويجب حذفه. أما الاستثناء الثاني فهو دقيق ومشروع، غير أنه يجب أن يصبح أكثر توازنا
بواسطة اختبار مدى خدمته للمصلحة العامّة وذلك لكي يكون مطابقا للمعايير الدوليّة بما فيها
إعلان مبادئ حرية التعبير في إفريقيا لسنة 2002 المذكور أعلاه، وحتّى يتب أنّ الفائدة الحاصلة من
الكشف عن مصادر المعلومات تتجاوز الضرر الحاصل لحرّيّة التعبير.
المؤشّر 5.1
يساهم العموم ومنظّمات المجتمع المدنيّ في إعداد السياسة العامة في مجال وسائل
الإعلام والاتصال
عرفت عمليّة إصلاح قطاع الإعلام منذ ثورة 14 جانفي 2011 مشاركة واسعة من العموم ، وكان أهمّ
قرار في هذا المجال هو إنشاء الهيئة الوطنيّة المستقلّة لإصلاح الإعلام والاتصال  في 2 مارس/آذار 2011
بصفتها هيئة استشاريّة مستقلّة مكلَّفة بإعداد مقترحات لإصلاح قطاع الإعلام والاتصال طبقا
للمعايير الدولية المتعلّقة بحرّيّة التعبير.
وترأس الهيئة الوطنيّة المستقلّة لإصلاح الإعلام والاتصال كمال العبيدي الصحفيّ المستقلّ الذي
يحظى بالاحترام في الأوساط الصحفية والسياسيّة. وهو من المدافعين عن حقوق الإنسان وقد قضى
سنين عديدة في المنفى. وتتكوّن الهيئة من صحفيّين مستقلّين ونقابيين في وسائل الإعلام وجامعيّين
وقضاة وعدد من المساعدين.
وتتمثل مهمّة الهيئة الوطنيّة المستقلّة لإصلاح الإعلام والاتصال في تقييم وضع قطاع الإعلام،
وفي تقديم مقترحات لإصلاحه بما في ذلك تحرير النصوص التشريعيّة، وفي الاتّصال بالأطراف المعنيّة
وبالعموم فيما يتعلّق بالتقييم والمقترحات، وفي إبداء الرّأي بخصوص إسناد الرُّخص لإنشاء إذاعات
وقنوات تلفزية جديدة. وخلال السنة الأولى من أعمالها نظّمتْ هذه الهيئة 29 ورشة عمل ولقاءات
استشارية وعديد الاجتماعات والزيارات الميدانيّة. وفحصت 74 مطلبا لإنشاء إذاعة جديدة و 33 مطلبا
لإحداث قناة تلفزيّة جديدة، كما ساهمتْ في وضع النصوص القانونيّة الجديدة المتعلّقة بالنفاذ إلى
الوثائق الإدارية بالهياكل العموميّة وحريّة الصحافة والاتصال السمعيّ البصريّ. وقد نشرتْ تقريرا
عامّا عن أنشطتها يتضمّن تقييما لوضع قطاع الإعلام والاتّصال وتوصيات لإصلاحه  .
واعتمدتْ هذه الهيئة على تجارب بلدان أخرى ديمقراطيّة، وأجرت حوارا مع مجموعة واسعة من منظّمات
المجتمع المدنيّ بشأن المشهد الإعلامي والاتصالي. عملتْ هذه الهيئة بالتعاون مع اللجنة الفرعيّة
للإعلام التابعة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسيّ والانتقال الديمقراطيّ على
إعداد نصوص تشريعيّة جديدة ، هي المراسيم عدد 41 و 115 و 116 .
و في 4 جويلية 2012 أعلنتْ الهيئة عن وضْعَ حدّ لأنشطتها بسبب رفض الحكومة أخْذَ توصياتها بعين
الاعتبار وعدم تطبيق المرسوم الجديديْن عدد 115 و 116 الخاصّ بحرية الصحافة الطباعة والنشر
وبحرية الاتصال السمعيّ والبصريّ وبإحداث الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري. وفي
بيان أصدرتْه بهذه المناسبة أكّدتْ الهيئة غياب أيّ إجراء ملموس يعكس إرادة سياسيّة حقيقيّة في
وضع أسس إعلام حرّ ومستقلّ مطابق للمعايير الدّوليّة. كما عبّرت عن رفضها مواصلة القيام
بوظيفة ديكور والحال أنّ واقع القطاع في تراجع  .
قد التزمتْ عدّةُ منظّمات تونسية من المجتمع المدنيّ بأن تساهم مساهمة نشيطة في النقاش
العموميّ ودافعتْ عن فكرة إصلاح سياسة الإعلام وتطويره، وهذا ما يصحّ على وجه الخصوص إزاء
منظّمات حقوق الإنسان التي كانت مضطهدَةً أثناء نظام بن علي مثل الرابطة التونسيّة للدفاع عن
حقوق الإنسان ومركز تونس لحرّيّة الصحافة والجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيّات.
وهذا ما ينطبق أيضا على منظمات مهنيّة مثل النقابة الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين والا اّحتد العامّ
التونسيّ للشّغل والنقابة التونسيّة للإذاعات الحرّة والجمعيّة التونسيّة لمديري الصّحف. كما ينسحب
أيضا على مجموعات حديثة عهد بالتكوين مثل النقابة التونسيّة لمديري المؤسسات الإعلامية ونقابة
المؤسسات الصحفية المستقلّة والحزبيّة والجمعيّة التونسيّة للصحفيّين الشّبّان.
وقد تكوّن ائتلاف جمع منظّمات غير حكوميّة تونسية  للإشراف على مشروع رصد وسائل الإعلام
قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 وبعدها. و قدّم هذا التحالف في تقريره العامّ مجموعة من التوصيات
بخصوص إصلاح وسائل الإعلام  .
وفي أفريل 2012 اقترحتْ الحكومة تنظيم «استشارة وطنيّة » حول الإطار القانونيّ لقطاع الإعلام
وعقدت ورشة دامت يوما واحدا دعيت إليها مختلف الأطراف. و قاطعتْ الهيئةُ الوطنيّة لإصلاح
الإعلام والاتّصال والنقابة الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين هذا الحدثَ وأدانتا الارتجال وانعدام التشاور
المسبَّق لأنّ تاريخ تنظيم هذا الحدث تزامن مع إطلاق التقرير العامّ للهيئة الوطنيّة لإصلاح الإعلام
والاتّصال  . وفي حديث للتلفزة التونسية اعترف حمّادي الجبالي رئيس الحكومة بأنّ الاستشارة لم
يتمّ الإعدادُ لها بطريقة جيّدة  .
ومن المهمّ أن تواصل الحكومة الالتزام بتنظيم استشارة واسعة مع الأطراف المعنيّة بالإعلام قبل أن
تتبنّى أي قانون مؤثر في حرية التعبير والإعلام أو تنقّحه . كما يجب أن تقوم هذه الاستشارة على
أساس أهداف واضحة وبرنامج عمل محدَّد بدقّة، وأجال معقولة لتلقّي أجوبة جميع الأطراف المعنيّة.
المؤشّر 6.1
استقلاليّة منظومة التعديل يضمنها القانون وهي محترَمة على أرض الواقع
تفتقر تونس إلى منظومة مستقلّة لتعديل القطاع السمعي والبصري. و يتكوّن الإطار القانونيّ لهذا
القطاع من مزيج بين قوانين قمعيّة لم يقع تنقيحُها، ومن بينها القانون الجنائيّ، وأيضا من أجهزة
دولة لم يتمّ إصلاحها بعدُ مثل الوكالة الوطنيّة للتردّدات والديوان الوطنيّ للإرسال الإذاعي والتلفزي.
ولا تنصّ الأحكام المتعلّقة بالمؤسسات الإعلامية في القانون الانتخابيّ لسنة 2011 على آليّة فعليّة
للتنفيذ، فإذا بنا على أرض الواقع نجد مجموعة من الحقائق تعكس عمليّةَ انتقال ناقصة وانفتاحا
جزئيّا للمشهد السمعي والبصري.
وتبدو الحاجة ملحّة لوضع إطار تشريعي شامل لتعديل الإعلام السمعي والبصري وكذلك لتركيز
مؤسسة خاصّة بتعديل هذا القطاع، ويضمن القانون استقلاليّتها.
تاريخيّا كانت وسائل الإعلام العمومية تحت سيطرة الحكومة مباشرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى
تراخيص إحداث الإذاعات والتلفزات الخاصّة التي نُمتح بعد إبرام الاتفاقيات مع الحكومة. فكان الوزير
الأوّل هو المسؤول المباشر عن إمضاء وثيقة الموافقة. و لم تكن وسائل الإعلام الخاصّة تتمتع باستقلال
النهج التحريريّ، لا في التقارير الميدانيّة ولا حتّى في تغطية الأحداث. فالحدود الصارمة التي تنصّ
عليها الاتفاقيّات المبرمة بين الحكومة ومدير محطة إذاعية خاصّة أو قناة تلفزية خاصّة، سيتم
تفصيل القول فيها ووصفها في القسم 11.1 الوارد أدناه.
منذ ثورة 14 جانفي أثبتتْ وسائل الإعلام العموميّ في المجال السمعي والبصري استفادتها من فضاء
الحرّيّة على مستوى التحرير. وقد ساهم تكوين هيئات تحرير داخليّة منتخَبة في هذا التغيير، غير أنّه لا
يوجد إطار قانونيّ أو تنظيميّ لضمان استقلاليّة البثّ العموميّ. لقد أدّى حذفُ وزارة الاتّصال إلى إلغاء
أداة التدخّل اليوميّ الذي كان موجودا في عهد بن علي. ولكنّ الحكومة حافظتْ على حقّ تعيين مديري
المؤسّسات العموميّة الإذاعية والتلفزية. وقد قامت الحكومة الحاليّة بإقرار تعيينات دون أدنى استشارة
عموميّة ودون الرجوع في ذلك إلى الهيئة الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتّصال وهو الجهاز الاستشاريّ
المكلَّف بإنارة الحكومة في سياسات وسائل الإعلام والاتّصال.
وكانت المؤسّسات الإذاعية والتلفزيّة الخاصّة الحاصلة على تراخيص قبل 14 جانفي 2011 ، تعمل على
أساس اتّفاقيّات وكرّاسات شروط لم تتمّ مراجعتُها بعد هذا التاريخ وذلك لأنّها لم تعدْ مطبّقَة
فعليّا. و تم الترخيص لعدّة مؤسسات إذاعيّة وتلفزيّة في 2011 وقد بدأتْ البثَّ دون توقيع أيّ اتّفاق.
ولم تتحصّل سوى على رسالة تعبّر عن نوايا عامّة في الترخيص صادرة عن مكتب الوزير الأوّل.
وتحتاج الإذاعات التي تبثّ على موجة FM إلى الحصول على ذبذبة من الوكالة الوطنيّة للتردّدات . وهي
الصنف الأول : منظومة تعديل
مضطرّة إلى الاستعانة بخدمات الديوان الوطنيّ للإرسال الإذاعي والتلفزي . غير أن بعضها اختارت
استعمال وسائل بثّ خاصّة بها. أما القنوات التلفزيّة الخاصّة فهي قادرة على اقتناء تردّد فضائي
عبر قمر صناعيّ بعد عمليّة تفاوض تجاريّ مع المتصرّفين في الأقمار الصناعيّة مثل «نيل سات ». بل إنّ
بعضهم قد بدأ البثّ بهذه الطريقة دون الحصول على تصريح قانونيّ للبثّ.
ومن بين المسؤوليّات التي اضطلعتْ بها الهيئة الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتّصال مساهمتُها في
إعداد المرسوم عدد 116 لسنة 2011  بالتعاون مع اللجنة الفرعيّة للإعلام المنبثقة عن الهيئة العليا
لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسيّ والانتقال الديمقراطيّ والذي ينصّ على إنشاء هيئة تعديلية
مستقلّة تسمّى الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعيّ والبصريّ وقد تمتّْ المصادقة على المرسوم
عدد 116 في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ونُشر بالرائد الرسميّ للجمهوريّة التونسيّة في 4 نوفمبر
2011 . من المفروض أن يدخل حيز التطبيق فور نشْره حسب الفصل 52 منه، غير أنّ الفصل 7 من
المرسوم قد نصّ على تعيين أعضاء السلطة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعيّ والبصريّ بأمر صادر
عن رئيس الجمهوريّة. ومنذ ذلك التاريخ لم ينشر أي نصّ لتسمية أعضائها، وبالتالي فإنّ هذه الهيئة
العليا المستقلّة للاتّصال السّمعيّ والبصريّ لم تتكوّن حتّى الآن. إنّ الفراغ التّنظيميّ الحاليّ هو نتيجة
تردّد الحكومة الجديدة إمّا في تطبيق المرسوم عدد 116 ، وإمّا في تعويضه بآليّة أخرى. ويُلاحظ في هذا
السياق أنّ الأحزاب الثلاثة التي تكوّن حكومة الائتلاف الحاليّة «ترويكا » قد نشرتْ بيانات انتخابيّة تؤكّد
فيها التزامها بإنشاء هيئة تعديلية مستقلة للاتصال السمعي والبصري  .
لقد تناولت بعض الهياكل المستقلّة الأجنبية بالدرس المرسوم عدد 116 وقدّمت تعليقات ذات طابع
قانوني  . ولا ننوي أن نطرح في هذا التقرير تحليلا كاملا للقانون، ولكننا سنعالج بعض أحكامه
الأساسية والتي هي نقاط خلاف هامّة.
النقطة الأولى تتعلّق بتكوين مؤسسة تعديلية وهي الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعيّ
والبصريّ التي تتمتّع بالاستقلالية الذاتية وقد عبر النص عن ذلك صراحة.و يُع أعضاؤها التسعة
لمدّة ستّ سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يمكن إقالة أيّ عضو إلاّ بقرار من مجلس الهيئة ذاتها وفي
ظروف محدَّدة بدقّة. ويجب أن يتمّ ترشيح أعضائها من طرف هيئات مختلفة. وهم ملزَمون بالمحافظة
على استقلاليّتهم وأن لا يتحمّلوا خلال مدّة عضويتهم في الهيئة أيّة مسؤوليّة سياسيّة أو مهمّة
انتخابية أو وظيفة عموميّة أو أيّ نشاط مهنيّ من شأنه أن يحدّ من استقلاليّته باستثناء مهام
عرضيّة في التدريس والبحث. ولا يُسمح لأعضاء الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعيّ والبصريّ
بأن تكون لهم أيّة مساهمات أو مصالح مالية في منشآت إعلامية واتصالية. وينصّ القانون أيضا
على أن تتمتّع الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعيّ والبصري بميزانيّة مستقلّة وأن يتمّ تمويلها
من موارد مختلفة. وهذه الأحكام الخاصة باستقلاليّة الهيئة التعديليّة للمشهد السمعي والبصري
مطابقة للقانون الدوليّ وللممارسات الحسنة.
أما النقطة الثانية فتهمّ مشمولات الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعيّ والبصريّ ومسؤولياتها
وقد ورد تعريفها بصفة عامّة جدّا. فهي تشمل جميع المسؤوليّات الهامة والضروريّة لتعديل نشاط
مؤسسات إذاعية وتلفزية مستقلّة، ولكن يحسن أن يكون التنصيص على هذه السلطات والمسؤوليّات
بصفة أكثر صراحة، حيث أنّ الفصل 16 يعطي هذه الهيئة سلطة لتقييم طلبات الحصول على إجازات
متعلّقة بإحداث منشأة اتصال سمعي وبصري ولتحديد الآليات المعتمدة في الاتّفاقيّات وكراسات
الشروط، ولكنّه لا يحدّد معايير انتقاء الطلبات ولا الشروط اللازمة للحصول على الإجازات.
وكانت النقطة الثالثة مدار خلافات أكبر، فهي تخصّ منظومة تقييم الشكاوى والعقوبات الواردة
في الفصل 3. وقد استقطبتْ هذه النقطةُ اهتمام معارضي المرسوم عدد 116 وخصوصا أصحاب
المؤسسات الإعلامية السمعية والبصريّة الذين تحصلوا على تراخيص في عهد بن علي. فقائمة
العقوبات طويلة وهي تتراوح بين مجرّد الإنذار وغلق المؤسسة وسحب الرخصة. هذا فضلا عن القدرة
على فرض خطايا ماليّة هامّة. ورغم أنه من الأفضل أن تكون لهذه الهيئة منظومة متدرّجة من
العقوبات فإنّه يُخشى أن تقع في خطر تجاوز سلطاتها خلال تدخّلها لمعاقبة المؤسسة المعنية، وهو
ما يمكن أن يُلحق ضررا بحرّيّة التعبير. يجب أن يُحدّد القانون بدقة الظروف التي يمكن أن يُعاقَب فيها
صاحبُ منشأة إعلامية سمعية أو بصرية بخطيّة مالية أو بتعليق الإجازة أو بغلق المؤسسة ، وأن تكون
هذه العقوبات ضروريّة و أن تمنع تكرّر التجاوزات و أن تكون درجة العقوبة متناسبة مع خطورة المخالفة
و الحدود المشروعة لحرّيّة التعبير في القانون الدّوليّ.
والخلاصة أن المرسوم عدد 116 بعيد عن الكمال، ولكنّ تطبيقه يُعتبر تقدّما هامّا في السياق التونسيّ.
فهو يتيح وضع قاعدة معياريّة لفائدة أصحاب المؤسسات الإعلامية السمعية والبصريّة الموجودين
ويُوفّر آليّة جوهريّة لخدمات جديدة في المجال السمعيّ والبصريّ. ويتيح تطبيقه أيضا إنشاء أوّل أداة
مستقلّة فعليّا في العالم العربيّ لتعديل القطاع السمعيّ والبصريّ. إنّ التنقيحات الممكن إدخالها
على القانون المتعلّق بالاتصال السمعيّ والبصريّ يجب إجراؤها بعد استشارة عمومية على أن يتواصل
فيها ضمان استقلال الهيكل المسؤول عن تعديل القطاع السمعيّ والبصريّ.
الصنف الأول : منظومة تعديل
 تحميل الوثيقة