دراسة حول تطوّر وسائل الإعلام والاتصال بتونس منظومة تعديل تخدمحرية التعبير و التعدّدية و التنوّع في وسائل الإعلام الجزء 4


ب - نموذج المرفق العمومي في الإعلام السّمعيّ والبصريّ
مؤشّر 3.3
أهداف المرفق العمومي في القطاع السمعيّ والبصريّ محدَّدة ويضمنها القانون
بدأتْ المنظومة التونسيّة للبثّ الإذاعي سنة 1938 بانطلاق إذاعة تونس تحت الإدارة الاستعماريّة

الفرنسيّة. وبعد الاستقلال أكّد مرسوم مؤرّخ في 25 أفريل 1957 أن البثّ السّمعيّ والبصريّ في تونس
من اختصاص الدولة  .
وتحتفظ الدولة حسب ما ينص عليه القانون ، إلى الآن، باحتكار منظومة توزيع البثّ والمنشآت والبنية
التحتيّة والمواقع التي منها تُبثّ البرامج الإذاعية والتلفزيّة. غير انه قد تم فصل البنية التحتيّة للبثّ
عن وظيفة إنتاج البرامج الإذاعيّة والتلفزيّة سنة 1982 ، بينما بقي إنتاجُ البرامج من مشمولات
المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة. أمّا منظومة التوزيع فصارتْ تحت مسؤوليّة وكالة خدمات فنّيّة
هي «الديوان الوطنيّ للإرسال الإذاعي والتلفزي » الذي تم إنشاؤه سنة 1981 في شكل إدارة عامّة للبثّ
تابعة لوزارة الاتّصال ثم صار في سنة 1993 مؤسّسة عموميّة. وفي سنة 2007 تم فصل المؤسستين
الإعلاميتين المملوكتين للدولة وهما: مؤسسة الإذاعة التونسيّة، ومؤسسة التلفزة التونسيّة.
وحسب القانون عدد 33 لسنة 2007 تُعتَبر المؤسّساتُ العموميّة للقطاع السمعيّ والبصريّ، أي الإذاعة
والتلفزة، مؤسّسات ذات طابع غير إداريّ، تحت إشراف وزير الاتّصال، وهي مكلَّفة بالمهمّة التالية :
- القيام بالمرفق العمومي السمعي والبصري،
- المساهمة في النهوض بالإعلام والتثقيف والتعريف بالسياسة العامة للدولة من منطلق
مقومات الهوية الوطنية،
- إثراء المشهد السمعي والبصري وتطويره،
- إثراء المضامين الاتصالية السمعية والبصرية من خلال مواكبة الخبر وتوفير المعلومة على المستوى
الوطني والجهوي وتسهيل النفاذ إليها ورصد الأحداث داخل البلاد وخارجها،
- المساهمة في خدمة الإبداع الوطني بإثرائه والتعريف به ودعم إشعاعه،
- تطوير التعاون والتبادل الدوليين في القطاع السمعي والبصري،
- المحافظة على المخزون السمعي والبصري وترقيمه،
- توظيف التكنولوجيات المتطورة  .
لا يشتمل هذا القانونُ على أيّ ضمان خاصّ فيما يتعلّق باستقلال هذه المؤسسات في الجانب التحريري،
بل العكس هو الصحيح : فتكليفها بمهمّة « للمساهمة في النهوض بالإعلام والتثقيف والتعريف
بالسياسة العامة للدولة « ووضعها تحت إشراف وزارة الاتّصال أمران يعنيان إنشاءها بهدف أن تكون
لها وظيفة دعائية .
وتتكون مواردُ المؤسّسات العموميّة في القطاع السمعيّ البصريّ من موارد خاصّة بها، وأخرى تخصص
لها )هبات، وتراث ومساعدات وقروض( وإمدادات من الدولة وهي تمثّل المورد الماليّ الرئيسيّ.
من البديهيّ أن تتصرف المؤسّسات العموميّة للقطاع السّمعيّ والبصريّ في إمكانيّات تقنيّة وماليّة
ضرورية لسيْرها. ويمكن أيضا أن نشير إلى تطوّرَها من حيث المحتوى وانفتاح الآفاق التي صارتْ أكثر
تنوّعا. غير أنه من الواضح وجود ثغرات من المنظور القانونيّ لا بدّ من تداركها حتّى تتمكّن من تأدية
واجبها تجاه الصالح العامّ ودون تدخّل الحكومة القائمة في الخطّ التحريريّ.
المؤشّر 4.3
أنشطة المؤسسات الإعلامية التابعة للمرفق العمومي لا تتعرّض للتمييز في أيّ ميدان
تتمتّع المؤسّسات العموميّة في القطاع السّمعيّ والبصريّ بالأولويّةٌ في استخدام منظومات البث
التابعة للديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي، سواء كانت تماثلية أو رقميّة بما في ذلك الطيف
التردّدي الإذاعي والتلفزة الأرضيّة. ويمكن التقاط التلفزة التونسيّة عبر عدّة أقمار صناعيّة أهمّها «نيل
سات ». هذا الحضور مضمون بواسطة مفاوضات تجاريّة بين الديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي
وشركات الأقمار الصّناعيّة.
مؤشّر 5.3
منظومة حوكمة مستقلّة وشّفّافة
منظومات الحوكمة في مؤسستي الإذاعة التونسيّة والتّلفزة التونسيّة منصوص عليها بمرسوم
. فكلّ مؤسّسة يسيّرها مجلسُ إدارة يرأسه رئيس مدير عامّ يُع بقرار من الوزير الأوّل. ويتكوّن
مجلسُ الإدارة من ثمانية أعضاء يمثّلون الدولةَ وعضويْن يمثّلان الديوان الوطنيّ للإرسال الإذاعي والتلفزي
والمؤسسة العموميّة الأخرى بالقطاع السمعيّ والبصريّ. فالأعضاءُ الثلاثة الذين ثُميّلون الدّولة يُعيّنون
بقرار يُصدره وزيرُ الاتّصال، واليوم يتولى رئيس الحكومة هذه المهمّة. أما العضوان الآخران فيعيّنهما
الرئيسُ المدير العامّ بعد موافقة مجلس الإدارة ويتمّ اقتراحهما قبل ذلك من المؤسّسات المذكورة أعلاه.
منذ 14 جانفي 2011 لم يحصل تغيير حقيقيّ. فبعد أسبوع من سقوط النظام السابق تم تغييرُ الرئيس
المدير العامّ لمؤسسة التلفزة التونسية وتم تعيين البشير الحميدي  بقرار من الحكومة الانتقالية
الأولى. وبالطريقة ذاتها عُ الحبيب بلعيد مكان الرئيس المدير العامّ لمؤسسة الإذاعة التونسية .
وبعد شهر تم تعويض الرئيس المدير العامّ الجديد بدوره بمختار الرصّاع. وقد حصل هذا التعيينُ عَقِبَ
إضرابات الصّحفيّين والفنّيّين في التلفزة التونسيّة. وكانوا يطالبون باستقالةَ الرئيس المدير العام
للمؤسسة وعدمَ تدخّله في الخطّ التحريريّ للنشرة الإخباريّة وبثَّ الأحداث بصفة مباشرة و بلا رقابة .
ويوم 7 جانفي 2012 تم تعويضُ مختار الرصاع بعدنان خذر بقرار من الحكومة المنبثقة عن انتخابات 23
أكتوبر 2011 . وفي يوم 24 أفريل 2012 تم تعويضُ الحبيب بلعيد الرئيس المدير العامّ لمؤسسة الإذاعة
الوطنيّة بمحمّد المدّب  . وقد اتُّخذتْ هذه القراراتُ دون أيّة استشارة عموميّة وفي غياب ب للشفافيّة
. وعوّض الرئيس المدير العامّ الجديد لمؤسسة الإذاعة التونسيّة مديري تسع إذاعات وطنيّة وجهويّة دون
أيّة استشارة مسبَّقة مع المنظّمات المهنيّة المعنيّة  .
وفي تاريخ أقرب، يوم 17 أوت 2012 ، تم بقرار تعيينُ رئيس مدير عامّ جديد على رأس مؤسّسة التلفزة
الوطنيّة في شخص إيمان بحرون التي كانت مديرة القناة الثانية )الوطنيّة 2(. وقد عبّرت النقابة
الوطنيّة للصّحفيّين التونسيّين والا اّحتد العامّ التونسيّ للشغل عن اعتراضهما القويّ على هذه
التّسميةُ. ولكنّ هذا لم يمنع الرئيسَ المدير العامّ الجديد من أن يُع يوم 3 سبتمبر 2012 وبطريقة
أحاديّة الجانب مديريْن جديديْن أحدُهما للقناة الأولى والآخر للقناة الثانية.
فالتعييناتُ على رأس مؤسسات المرفق العام في القطاع السمعيّ والبصريّ ينبغي أن تكون مفتوحة
وشفّافة وبعيدة عن أيّ تدخّل مباشر من الحكومة وعن أية مراقبة تمارسها مصالح خاصة سواء أكانت
سياسيّة أم اقتصاديّة.
ولضمان استقلال مؤسّسات المرفق العموميّ في القطاع السمعيّ والبصريّ يجب تكوين مجلس إدارة
مستقلّ توكل له مهمّة خدمة المرفق العامّ وهو مسؤول عن ضمان استقلال الخطّ التحريري. ويجب أن
يكون هذا الجهاز قادرا على طلب تقديم ترشّحات لمنصب رئيس مدير عامّ وأن يقود عمليّة عادلة لتقييم
المترشّحين حتّى يكون التعيين على أساس الكفاءة.
مؤشّر 6.3
المرفق العام للقطاع السمعيّ والبصريّ ملتزم إزاء الجمهور وإزاء منظّمات المجتمع المدنيّ
منذ ثورة 14 جانفي 2011 حسّنتْ المؤسساتُ العموميّة في القطاع السّمعيّ والبصريّ، أي التلفزة
التونسيّة والإذاعة التونسيّة، تنوّعَ الآراء ودرجة تمثيل الجمهور ومنظّمات المجتمع المدنيّ. وقد التزم رؤساء
هذه المؤسّسات بالحوار في الفضاءات العامّة حول سياسات وسائل الإعلام بتونس وتطوّرها.
غير أنّه لا يوجد أيّ إجراء فعلي لضمان مسؤوليّة هذه المؤسّسات إزاء الجمهور الواسع. كما أنّه لا توجد
تراتيبُ للأخذ برأي الجمهور في تعيين أعضاء مجلس الإدارة كما أسلفْنا أعلاه في القسم 5.3 ، ولا توجد
أيضا مصلحة شكاوى، مثل الوسيط الموفِّق ، في هذه المؤسسات.
ت - التعديل الذّاتيّ لوسائل الإعلام والاتصال
مؤشّر 7.3
الصّحافة المكتوبة ووسائل الإعلام السمعيّة والبصريّة لها آليّاتٌ ناجعة للتعديل الذّاتيّ
باستثناء التلفزة التونسيّة لا توجد أيّة وسيلة إعلام واتصال أخرى، مكتوبة أو سمعيّة وبصريّة،
عموميّة أو خاصّة، تعتمد على ميثاق عامّ لأخلاقيّات المهنة. فقد أصبح للتلفزة التونسيّة، منذ 2012 ،
ميثاق يخصّ أخلاقيّات المهنة تم إعدادُه بالتّعاون مع «هيئة الإذاعة البريطانيّة BBC( » (، وكان للإذاعة
التونسيّة فضْلُ نشر مدوّنة سلوك خاصّة بالفترة الانتخابيّة فيه إعلان عن أخلاقيّات المهنة التي تمثّل
المرجعيّة في تغطية الانتخابات. وهي تتضمّن إجراءاتٍ خاصّةً بانتخابات المجلس الوطنيّ التّأسيسيّ  .
وبدأتْ الإذاعةُ التونسيّة في شهر سبتمبر 2012 مشروعا لوضع ميثاق عامّ خاصّ بها لأخلاقيّات المهنة
موجّه إلى محطّاتها التّسع. إذ لا تتضمّن النظم الأساسيّة لوسائل الإعلام العموميّة )وكالة تونس
إفريقيا للأنباء والإذاعة والتلفزة( أيَّ ترتيب خاصّ بضبط مهامّها بصفتها مؤسسات صحفية،
ولا تتضمّن أيّ ترتيب يخصّ الجانب التحريري . وهي لا تنصّ في أيّ موضع في هياكلها الهرمية على
وجود هيئة مكلَّفة بتحديد الخطّ التحريريّ وبالسهر على احترام القواعد المهنيّة والأخلاقيّة وبتنظيم
العلاقات بين وسائل الإعلام والجمهور.
أما مجالسُ الإدارة في وسائل الإعلام هذه، فتتكوّن في أغلبها من ممثّلين عن الدولة وعن الحكومة ولا
تتضمّن أيّ ممثّل عن الصّحفيّين. ولم يكن لأيّة وسيلة إعلام تونسيّة، عموميّة أو خاصّة في عهد بن
علي، مجلس إدارة جدير بهذا الاسم أو هيئة تحرير جديرة بهذا الاسم. فوكالةُ تونس إفريقيا للأنباء، وهي
أكبر مؤسّسة صحافيّة في البلاد، لم يكن لها حتّى هيئة تحرير يوميّة وللأسف يتواصل هذا الوضع
إلى اليوم  . و كانتْ المرّات النادرة التي اجتمع فيها الصحفيّون مع الإدارة العامّة في المؤسّسة فقط
لتحديد المواضيع ووضع رزنامة توزيع المقالات الخاصّة التي كانت المؤسّسة ملزَمةً بنشرها بمناسبة
الأحداث الوطنيّة الكبرى وخصوصا 7 نوفمبر ذكرى وصول بن علي إلى السلطة.
وبعد سقوط النظام بدأ عددٌ من المؤسّسات الصحفية )وكالة تونس إفريقيا للأنباء، الشركة الجديدة
للطباعة والصحافة و النشر، دار الصباح، الإذاعة التونسيّة والتلفزة التونسيّة( في تكوين مجالس
أو هيئات تحرير. وقد أظهرت هذه الهياكل الجديدة للتعديل الذّاتيّ ،بسرعة، محدوديّتها وقلّة نجاعتها
وذلك لعدّة أسباب. بل إن الرؤساء المديرين العامّين والإدارة في بعض وسائل الإعلام رأوا أنّ هذه المجالس
تمثّل استحواذا على جزء من سلطتها.
ولذلك سخّروا جميع الوسائل لتفتيتها وتفجيرها من الداخل. أما في بعض وسائل الإعلام الخاصّة
الأخرى، فما زال الأعراف يواصلون رفض مبدأ التعديل الذاتيّ. ومن جهة أخرى لم تكن الطريقة المتّبَعة
في تعيين أعضاء مجالس التحرير، أي في انتخابهم، هي الطريقة الجيّدة لأنها تتضمّن خطر التسبّب
في ظهور صراعات داخليّة بين مختلف المجموعات ذات المصالح المتباينة.
والواقع أنه في مهنة ينخرها الفساد والفرديّة والانتهازيّة طوال سنوات عديدة ليس من البديهيّ أن
يُنتَخب أفضل المترشّحين. هذا هو الرأي الذي عبّرتْ عنه مرارا الهيئةُ الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتّصال
التي عارضتْ منذ البداية مبدأ الانتخاب ولكنّها خضعتْ أحيانا أمام إرادة الصحفيّين. غير أن جميع
هيئات التعديل الذاتيّ التي تم تكوينُها في المؤسّسات الإعلاميّة غداة سقوط النظام هي اليوم إمّا
معطَّلَةٌ تماما أو في حالة انتظار.
وعلى المستوى القطاعي، يتوفر للنقابةُ الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين ميثاق شرف مطابق لمعايير
أخلاقيّات المهنة تم اعتماده سنة 1983 زمنَ وجود «جمعيّة الصحفيّين التونسيّين » التي تكوّنتْ النقابة
الحاليّة على أنقاضها . وعلى كلّ من ينخرط في النقابة أن ضُمييَ مطبوعة يلتزم بمقتضاها بأن يحترم
ذلك الميثاق الذي كُتب نصُّه في قفا بطاقة الانخراط. ولم يراجَع هذا الميثاق أبدا منذ اعتماده.
بعد سقوط النظام بادرتْ النقابةُ الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين في مارس 2011 بإنشاء مرصد
لأخلاقيّات المهنة، نَشر تقريرا واحدا يوم 3 ماي 2011 بمناسبة اليوم العالميّ لحرّيّة الصحافة. و توجد
حاليّا مبادرات لإعادة تنشيط هذا المرصد.
كما أنجزت أعمال أخرى متعلّقةٌ بالتعديل الذّاتيّ مثل إعدادِ الهيئة الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتّصال
دليلا عمليّا للصحفيّ خلال فترة الانتخابات  ، وإعدادِ ميثاق انتخابيّ للإذاعة التونسيّة  وإعداد
ميثاق للأخلاقيّات المهنيّة للتلفزة التونسيّة . وقد تم أيضا في سبتمبر 2011 تنظيمُ ورشة عمل
دوليّة دامتْ يوم وكان موضوعُها «الأخلاقيّات المهنيّة و الانتقال نحو الديمقراطيّة .»
من جهة أخرى دعتْ الهيئةُ الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتّصال مرارا النقابةَ الوطنيّة للصحفيّين
التونسيّين والجمعيّةَ التونسيّة لمديري الصّحف ونقابة المؤسسات الصحفية المستقلّة والحزبية إلى
إنشاء هيئة تعديل ذاتيّ في قطاع الصحافة المكتوبة في شكل «مجلس صحافة » يجمع نقابةَ
الصّحفيّين ونقابات مديري المؤسسات الصّحفية والإعلامية الأخرى.
و ينصّ الفصل 17 من المرسوم 115 المتعلّق بحرّيّة الصحافة والطباعة والنشر على الفصل بين التحرير
والإدارة ولكنّه لا يتضمّن شيئا عن هيئة التعديل الذاتيّ ولا عن مجلس التحرير.
لا توجد في وسائل الإعلام التونسيّة، المكتوبة والسّمعيّة والبصريّة هياكل مؤسّساتيّة للوساطة
تكون مكلَّفةً بتلقِّي شكاوى الجمهور ومعالجتها. وفي أحسن الأحوال توجد في بعض وسائل الإعلام،
وخصوصا في الصّحف، مصلحةٌ مكلَّفة ب «بريد القرّاء ». ولذلك، فان خرْق معايير الأخلاقيّات المهنيّة
ممارسة تحصل كلَّ يوم خصوصا في الصّحافة المكتوبة التابعة للقطاع الخاصّ وهو خرْقٌ يتمثّل على
وجه الخصوص في هجومات تَدخُل في باب الثلب وفي كتابة تقارير موالاة.
في عهد بن علي كان مرتكبو هذه التجاوزات في الأغلب صحفيّين مقرَّبين من النظام يتصرّفون
بتعليمات منه وبمنأى عن أيّ عقاب. أمّا اليوم فإنّ التجاوزات المسجّلة بشأن أخلاقيّات المهنة هي
بالأحرى نتيجة تعطّل شامل في مستوى القطاع كلّه، وهي لم تعد تخضع لأيّ منطق ب .ّني
مؤشّر 8.3
وسائل الإعلام تُطوِّر ثقافةَ التعديل الذّاتيّ
النقابةَ الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين هي إحدى المنظّمات الأكثر نشاطا في النسيج الجمعيّاتي
بتونس، وقد خصّصت، في تقاريرها عن حرّيّة الصحافة بتونس، وهي تقارير تُنشَر في 3 ماي من كلّ
سنة بمناسبة اليوم العالميّ لحرّيّة الصّحافة، فصلا عن انتهاكات قواعد الأخلاقيّات المهنيّة.
وبالاشتراك مع مكوّنات أخرى من المجتمع المدنيّ ، منها على وجه الخصوص «الرابطة التونسيّة للدّفاع
عن حقوق الإنسان » و «الجمعيّة التونسيّة للنساء الديمقراطيّات » و «المجلس الوطنيّ للحرّيّات بتونس »
و «مرصد حرّيّة الصحافة والنشر والإبداع »، ساهمتْ هذه النّقابةُ في جميع الأعمال المتعلّقة بالتعديل
الذاتيّ ومراقبة الإعلام وخصوصا بمناسبة المواعيد الانتخابيّة الكبرى. وقد أعلن المجلسُ الوطني للحرّيّات
بتونس ومرصدُ حرّيّة الصحافة والنشر والإبداع إنشاءَ «مرصد للصّحافة المكتوبة » تحت إشراف
«مجموعة العمل العربيّة لرصد الإعلام .»AWG-MM 
في عهد بن علي كانتْ الرّقابةُ الذّاتيّة مطبَّقةً بصفة آليّة في جميع وسائل الإعلام المكتوبة والسمعيّة
والبصريّة، باستثناء بعض صحف المعارضة. وإضافةً إلى الخطوط الحمراء التي كانت السلطة تضبطها
بصفة صريحة عن طريق توصيات مباشرة لُمتْيها على رؤساء وسائل الإعلام، كان أغلب الصّحفيّين
التونسيّين يجتنبون بكيفيّة إراديّة معالجة بعض المواضيع التي يعتبرونها ممنوعة وخصوصا موضوع
الفساد والرشوة.
أمّا بعد سقوط نظام بن علي فقد اتّسع مجال الحرّيّات بصفة ملحوظة وزالت جلّ الخطوط الحمراء
بصفة كاملة. ولكن ظهرتْ حدودٌ جديدة منها على وجه الخصوص المواضيع المتّصلة بالدّين وبالأخلاق
الحميدة وهو ما جاء مفصَّلا أعلاه في القسم 1.1 المتعلّق بالرقابة وكذلك في القسم  المتعلّقّ بسلامة الصحفيّين.
وعموما، تحترم جلُّ وسائل الإعلام المكتوبة والسّمعيّة والبصريّة حقَّ الّرّدّ الذي يضمنه القانون وذلك
في الفصول 26 حتّى 34 من قانون الصحافة القديم، وفي الفصول 39 حتّى 44 من القانون الجديد، أي
المرسوم عدد 115 لسنة 2011 .
ث - الشروط اللازمة لاحترام قواعد الإنصاف والحياد
مؤشّر 9.3
قانون ناجع للقطاع السّمعيّ والبصريّ يُب الشروطَ اللازمة لاحترام الإنصاف والحياد
لا يوجد قانون لتنظيم محتويات ما تقدمه الإذاعات والتلفزات العموميّة والخاصّة. غير أن أصحاب
المؤسّسات الإذاعيّة والتلفزيّة مطالبون بالامتثال للقوانين والتراتيب التي تنطبق على جميع وسائل
الإعلام، بما في ذلك القانون الجزائي وقانون الصّحافة الجديد )المرسوم عدد 115 لسنة 2011 (.
أما المرسوم عدد 116 لسنة 2011 ، فينص على تأسيس الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعيّ
والبصريّ، وهي جهاز مستقلّ لتعديل القطاع السّمعيّ والبصريّ، ولكنّها لم تر النور بعد بسبب عدم
صدور أيّ قرار لتعيين أعضائها. ويتضمّن القانونُ الخاصّ بالهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعيّ
والبصريّ فصلا عن التراتيب المتعلّقة بالحملات الانتخابيّة، بما في ذلك مسؤوليّة الهيئة العليا
المستقلّة للاتّصال السّمعيّ والبصريّ في إعداد قواعد قابلة للتّطبيق بشأن بثِّ وسائل الإعلام خلال
فترة الحملة الانتخابيّة. وفي انتظار إحداث هذه الهيئة لا توجد أيّةُ آليّة في المرسوم عدد 116 لسنة
2011 لضبط قواعد الحملة الانتخابيّة.
تم تحديد الإطار التنظيميُّ للتغطية الإعلاميّة الخاصّة بانتخابات المجلس الوطنيّ التأسيسيّ في 23
أكتوبر 2011 في المرسوم المتعلّق بإنشاء الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات 191 . وينصّ الفصل 44
منه على أنّ الحملة الانتخابيّة تجري حصريّا على وسائل الإعلام الوطنيّة. وينصّ الفصلان 45 و 46 على
أنّ الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات لها السلطةُ لضبط القواعد لاجتناب التّمييز بين المترشّحين
ولتحديد شروط بثّ البلاغات الانتخابيّة لجميع المترشّحين.
وفي سياق إعداد انتخابات المجلس الوطنيّ التأسيسي نشرتْ الهيئةُ العليا المستقلّة للانتخابات سلسة
من القوانين القائمة على مبادئ الإنصاف والتوازن والحياد تلتزم بها وسائل الإعلام خلال مدّة الحملة
الانتخابيّة . وعملا بهذه التراتيب تكلَّفُ وسائلُ الإعلام العموميّة في الإذاعة والتلفزة بتسجيل وبثّ
بلاغات الحملة الانتخابيّة لجميع المترشّحين. ووسائل الإعلام الخاصّة أيضا لها الحقّ في بثّ هذه البلاغات،
شرط أن تقوم بذلك لفائدة جميع المترشّحين وأن تعتمد نفس الترتيب ونفس مدّة البثّ اللّذيْن تم العملُ
بهما في البثّ العموميّ. ولا يكون خلافُ هذا إلا بناءً على اتّفاق مختلف مع الهيئةُ العليا المستقلّة
للانتخابات. وتقتضي التراتيبُ أيضا أن تضمن وسائلُ الإعلام العموميّةُ والخاصّة تغطيةً عادلة ومتوازنة
ومحايدة للمترشّحين أثناءَ الحملة الانتخابيّة، وأن تحتفظ بتسجيلات إنتاجهم منذ
الأسابيع الستّة السابقة للانتخابات، وأن تُقدّم تقريرا أسبوعيّا إلى الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات
يتضمّن مشاركةَ المترشّحين في حصص الحوارات السياسية وفي غيرها من الحصص.
لا تتمتّع الهيئةُ العليا المستقلّة للانتخابات بسلطة فرض خطيّة ماليّة أو أيّة عقوبات أخرى أكثر
ردْعا في حالة عدم احترام القواعد من طرف وسائل الإعلام، ولكنّها تستطيع أن تفرض على مؤسّسة
إعلاميّة ما أن تنشر تصحيحا ، أو أن تأمرها بتعليق بث البرنامج المخالف لمدّة محدودة، أو أن تسحب
من المؤسسة حقّ تغطية الانتخابات. كما تستطيع الهيئةُ العليا المستقلّة للانتخابات أيضا إحالة
المؤسسة أمام السلطات المؤهَّلة لذلك في حالة خرق القانون الانتخابيّ. وفي حالة رفض المؤسّسة
الامتثال تكون عُرْضة للعقاب بخطيّة ماليّة تصل إلى خمسة آلاف دينار.غير أن دور الهيئة العليا
المستقلّة للانتخابات في التغطية الإعلاميّة، قد كان في واقع الممارسة الفعليّة، أقرب إلى دور الرّدع
المعنويّ خصوصا من خلال التفاوض المباشر مع أصحاب البثّ في حالة وجود مشكل أو من خلال
نصحهم بإتباع الإجراء الصحيح.
والملاحظ هو أنّ القوانين المتعلّقة بالهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وبتراتيب التغطية الإعلاميّة
خلال الحملة الانتخابيّة ،متطابقة مع المعايير الدوليّة، ولكن انطلاقا من التقارير التي قدّمتْها هذه
الهيئةُ والمتعلّقة برصد وسائل الإعلام خلال الانتخابات يظهر وجودُ إخلالات هامّة في التوازن عند
التغطية الفعليّة التي أنجزتها بعض وسائل الإعلام. كما يظهر التقرير أنّ القواعد التي تمنع بثّ بلاغات
الحملة الانتخابيّة بواسطة وسائل إعلام دوليّة لم يتمّ احترامُها.
مؤشِّر 10.3
تطبيق قانون متعلّق بالاتصال السمعيّ والبصريّ
أسلفْنا أعلاه في القسم 9.3 أنّه لا وجود لقانون عامّ لتعديل بثّ المحتوى السّمعيّ والبصريّ، كما أنّه لا
وجود لآليّة تعديل ذاتيّ تنطبق على جميع وسائل الإعلام السمعيّ والبصريّ. وينصّ المرسوم عدد 116
لسنة 2011 على أنّ تتولى الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السمعيّ والبصريّ، حال إنشائها، وضع
قواعد تخصّ بثّ المضامين، ولكنّ حقل تطبيق هذه القواعد غير محدَّد بصفة دقيقة، إذا استثنيْنا
القواعد الخاصّة بتغطية الانتخابات.
فالهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السمعيّ والبصريّ مؤهَّلةٌ لوضع مجموعة كبيرة من العقوبات
يمكنها تطبيقُها دون الرجوع إلى المحاكم القضائية. ومن جهة أخرى تفتقر هذه الهيئة إلى إطار قضائيّ
واضح لمعالجة الشكاوى المقدَّمة من الجمهور، وهو إطار يمكن أن يكون مفيدا لضمان مقاربة متدرِّجة
للتعديل من شأنها أن تدعم الردع الأخلاقيّ والنهوض بثقافة عمادها السلوك الصحفيّ السويّ.
الصنف الثالث : وسائل الإعلام بصفتها أرضيّة لحوار ديمقراطيّ
دراسة حول تطوّر وسائل الإعلام و الاتصال بتونس
ج - نسبة ثقة الجمهور في وسائل الإعلام والاتصال
مؤشِّر 11.3
الجمهور يُبدي نسبة ثقة مرتفعة إزاء وسائل الإعلام والاتصال
بيّنتْ عمليّاتُ سبر الآراء أنّ الجمهور يتشارك إلى حدّ كبير في آراء متقاربة إزاء وسائل الإعلام والاتصال.
ولم تكن عمليّاتُ سبر الآراء هذه متعلّقةً برؤية جودة المنتوجات الإعلاميّة لدى الجمهور، ولكن كانت
أكثر المسائل المطروحة هي مسألة رضا الجمهور عن وسائل الإعلام بصفة عامّة.
أنجز مكتبُ دراسات «سيقما كونساي »Sigma Conseil 193 سبرا للآراء نشره في مارس 2012 ، وقد
أشار فيه إلى أنّ 4،47 % من التونسيّين راضون أو راضون جدّا عن مردود وسائل الإعلام، مقابلَ 46.8 %
عبّروا عن عدم رضاهم. وقد جاء في سبر آراء أنجزتْه مؤسّسة «المجمّع العالمي للدراسات »3C ETUDES
في ما بين 23 و 28 ماي 2012 أنّ وسائل الإعلام تحظى برضا 63 % من التونسيين مقابلَ % 33 ممنّ عبّروا عن
عدم رضاهم، ومنهم 14 % غير راضين تماما  . وفي سبر آراء آخر أنجزتْه مؤسّسةُ «بييو ريزورتش Pew
»Research بين 19 مارس و 20 أفريل 2012 أن % 63 من التونسيّين أعلنوا أنّ لوسائل الإعلام تأثيرا جيّدا
جدا في تنمية تونس، مقابل 36 % أعلنوا أنّ تأثير وسائل الإعلام سيّء أو سيّء جدّا  .
وقد أدى ثراءُ المادّة الإخباريّة التونسيّة، الراجع إلى الحركيّة التي تشهدها الساحةُ السياسيّة في مرحلة
الانتقال الديمقراطيّ وتعدّد المطلبيّة الاجتماعيّة على كامل البلاد التونسيّة، إلى توازن أكبر بين الأخبار
المحلّيّة والوطنية.
ولئن كانت المادّةُ الإخباريّة المحلّيّة أكثر تواترا في الريبورتاجات )التقارير الميدانيّة( وفي البرامج الوثائقيّة
وفي الصحافة المكتوبة والإلكترونيّة ،فان نصيب الأخبار الوطنيّة يبقى هامّا. فشريط أنباء الثامنة
مساء )الساعة 20 ( بالتلفزة الوطنيّة يعتني بالأخبار الجهويّة بنفس الاهتمام الذي يوليه للأخبار
الوطنيّة. ومن بين الأمثلة نذكر أيضا أنّ صحيفة «الشّروق » تخصّص ملحَقا يوميّا للأخبار الجهويّة.
أما القناة التلفزيّة «الوطنيّة »2 فقد صارت منذ 2 جانفي 2012 مخصّصَةً للإعلام الجهويّ. كما ان
الإذاعات الخاصّة والإذاعات العموميّة الجهوية توفِّر أيضا ما يعرف بإعلام «القرب » إي إعلاما مهتمّا
بالجهات والأحياء  .
ويُعتبر بعضُ الصحفيّين، خصوصا منهم المنتمين إلى التلفزة التونسية، الذين دافعوا عن النظام
السابق أثناء أحداث الثورة، فاسدين. وقد طالب متظاهرون أمام مقر التلفزة التونسية، طوال ما يزيد
196 انظر Retro vision : سميرة دامي، وانظر أيضا: مجلة لابريس عدد 1227 أفريل 2011
على خمسين يوما ، ب «تطهير » الإعلام العموميّ وإقصاء الصّحفيّين «الفاسدين » نهائيّا،
أولئك الذين تعاونوا مع النّظام السّابق. وفي 28 أفريل 2012 تخلّتْ ثلاثُ صحفيّات  عن تقديم أخبار
الساعة الثامنة ليلا في التلفزة بعد أن تعرّضْن لضغوط وتهديدات إثر اتّهامهنّ بالتّعاون مع النّظام
السّابق. وقرّرتْ إدارة التلفزة التونسيّة تجديدَ مظهر شريط «أخبار الثامنة ليلا » تجديدا كاملا. فعمدتْ
إلى تنظيم اختبار لاختيار مقدِّمي أخبار جُدُد. ويهدف هذا الإجراءُ إلى إعطاء المؤسّسة نفَسا جديدا
وإلى تهدئة المعترضين.
وتعتقد السّلطاتُ الرسميّة ومساندوها أنّ التلفزة العموميّة ليستْ محايِدة إزاء أنشطة الحكومة
وأنها لا تُبرِز منجَزاتها. بينما يتهمها مواطنون آخرون بأنها لا تعكس مطالبهم ولاشكاويهم. فلئن
كان مما لا شك فيه أنّ وسائل الإعلام العموميّة، وخصوصا الوسائل السّمعيّة والبصريّة، قد شهدتْ
بعض التّطوّر بفضل رياح الحرّيّة التي هبّتْ بعد الثورة، فان رؤية الجمهور للإعلام ليست متناغمة كما
بيّنتْ ذلك عمليّاتُ سبر الآراء.
وتكون مشاركةُ المواطنين في وسائل الإعلام بحسب طبيعة هذه الوسائل الإعلامية . وتعدّ الحصص
التلفزيّة التي تُعطي الكلمة للمواطنين بصفة خاصة، قليلة. واليوم يحتلّ السياسيّون والخبراءالفضاء
الإعلامي وتُعتَبر الإذاعاتُ في مقدّمة وسائل الإعلام التي يمكن أن يصل إليها المواطن بيسر أكبر.
فالمواطنون يعبرون عن شواغلهم من خلال محطّات الإذاعة التي تفتح برامجها خلال فترات طويلة
لحوارات عن طريق الهاتف أو لتقديم ضروب من النقد ومن الشهادات الحيّة. فجميعُ وسائل الاتّصال
المتاحة مستغلَّةٌ في الإذاعات لتسهيل تلقّي آراء المواطنين )الهاتف، الرسائل الالكترونية، شبكات
التّواصل الاجتماعيّ(، وهذا خلافا للصّحف التي تتجاهل بريد القرّاء وذلك على الأرجح بسبب وفرة الأخبار.
مؤشِّر 12.3
منظّماتُ وسائل الإعلام حسّاسةٌ إزاء الطريقة التي ينظر بها الجمهورُ إلى عملهم
استُعمِلتْ وسائلُ الإعلام التونسيّة طوال عقود لتحسين صورة النظام السابق، وكان نفاذ المواطنين
إلى وسائل الإعلام مشروط بتجنّب المواضيع المحرّمة وعدم تجاوز الخطوط الحمراء. فكانتْ فضاءاتُ التّعبير
العموميّة مفتوحة فقط للذين جُميِّدون الرئيس والنّظام السّياسيّ.أما اليوم فان وسائلُ الإعلام مدعوَّةٌ
- لتحقيق التحوّل المرجو - إلى تقديم المعلومة في إطار مستقلّ ومحايد لتثبت حرفيّتها حتّى يعكس
العملُ الصّحفيُّ واقعَ البلاد وتطلّعات التونسيّين.
لقد أدرك المهنيون في القطاع السّمعيّ والبصريّ ضرورة إيجاد مسار لإدارة التغيير حتّى يستجيب على
النحو المناسب لما يتطلبه جمهور يَقِظ يتمثّل في إعادة هيكلة المؤسّسات وتكوين العاملين في هذا
القطاع. غير أنّ مسار التغيير لم يتضمّن آليّةَ مراقبة داخليّة تضمن الشفافيّة والحوار مع الجمهور
وذلك –مثلا- بإحداث وظيفة جديدة هي وظيفة «وسيط » يكون حلقة ربط بين الجمهور ومصلحة
التحرير آو بإيجاد مصلحة لمعالجة الشكاوى التي يتقدم بها الجمهورُ.
ح - سلامة الصحفيّين
المؤشِّر 13.3
الصحفيّون والعاملون معهم والمؤسسات الإعلامية يستطيعون ممارسة مهنتهم في أمان
قبل 14 جانفي 2011 كان الصحفيّون المستقلّون والمناضلون المعلَنون والنشطاء يتعرّضون للضرب
والتعنيف في الشوراع والأماكن العامّة، وكان المعتدي معروفا تماما: إنّه البوليس السياسيّ.
أمّا اليوم، وبعد سقوط نظام بن علي فقد صار أيُّ صحفيّ معرَّضا يوما ما للاعتداء في الشارع.
ويمكن أن تكون بعض من قوّات الأمن مصدر هذه الاعتداءات. لكنّها يمكن أيضا أن تصدر عن أنصار
أحزاب سياسيّة أو عن مجموعات متطرفة، بل وحتّى عن مواطنين عاديّين. وقد أحصتْ النقابةُ الوطنيّة
للصحفيّين التونسيّين، في تقريرها السنويّ الذي نشرتْه يوم 3 ماي 2012 بمناسبة اليوم العالميّ لحرّيّة
الصحافة  ،أكثرَ من ثلاثين اعتداء جسديّا أو اعتداء بالعنف تم ارتكابها ضدّ صحفيّين، في ما بين 3
ماي 2011 و 3 ماي 2012 . وفي هذا التقرير نقرأ ما يلي: «الاعتداءاتُ ضدّ الصحفيّين وهياكلهم المهنيّة
وعلى بعض مؤسّسات الإعلام بلغتْ معدّل اعتداء كلّ أسبوع. »
ومنذ السداسيّ الثاني من سنة 2011 صار على الصّحفيّين أن يواجهوا تصاعدَ التطرّف الدينيّ،
فالحركات الأكثر غلوّا لا تتردّد في مهاجمة وسائل الإعلام والصحفيين عندما يطرقون المواضيع الدّينيّة
بطريقة نقديّة.
وما يدعو إلى قلق أشدّ هو أنّ عددا كبيرا من الصحفيّين التونسيّين قد كانوا ضحايا اعتداءات جسديّة
منذ تعيين الحكومة الجديدة المنبثقة عن انتخابات ديمقراطيّة. وقد أصرّتْ منظّمةُ «مراسلون بلا حدود »
على ردّ الفعل يوم 14 جانفي 2012 بمناسبة ذكرى الثورة ، وذلك برسالة مفتوحة موجَّهة إلى السلطات
التونسيّة لإبلاغ المسؤولين قلقهم بخصوص حرّيّة التعبير في تونس، وهذا ما فعلتْه أيضا «مجموعة
تونس لمراقبة حالة حرية التعبير التابعة للشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير »
وفي 15 جويلية 2011 اعتدت قوّات الأمن على عدد من الصحفيّين. وقدّمتْ النقابةُ الوطنية
للصحفيين التونسيين شكوى ضدّ وزير الدّاخليّة بتهمة الإخلال بحقوق الصحفيين. وقد لاحظتْ
منظّمةُ «مراسلون بلا حدود »200 ما يلي : «لئن لم يحمل بعض الصحفيّين علاماتٌ تميّزهم، فالبعض
الآخر منهم يمكنُ تمييزه على نحو واضح، وذلك بفضل آلات التصوير و الكاميرات، ألاّ أنّهم لم يسلموا
من اعتداءات قوّات الأمن » ، كما عبّرت هذه المنظّمةُ ،في بلاغ لها نشرتْه بهذه المناسبة،عن أسفها
لما جاء في تصريحات الوزير الأول الباجي قايد السبسي خلال خطاب ألقاه يوم 18 جويلية لماّ اعتبر
الصحفيين من مثيري الفوضى وهو ما من شأنه أن يحمّلهم مسؤوليّة في أحداث العنف التي
تشهدها البلاد التونسيّة.
وتعرضت قناة «نسمة » التلفزية، يوميْ 9 و 11 أكتوبر 2011 لهجوم شنّه حواليْ 300 شخص كانوا
يتظاهرون ضدّ بثّ شريط «برسيبوليس »، فوقعتْ أعمالُ تخريب. ووجّهوا تهديدات بالقتل إلى مدير
القناة وإلى العاملين فيها. ولئن ندَّدتْ أحزابٌ سياسيّة بالهجوم فإنّ أغلبها قد أدانتْ ما وصفته
بالاستفزاز في الفترة السابقة للانتخابات.
و في 9 أفريل 2012 وخلال مظاهرة نُظّمتْ في شارع الحبيب بورقيبة بمناسبة الاحتفال بذكرى الشهداء،
تم الاعتداء على صحفيّين وشخصيّات وطنيّة ومدافعين عن حقوق الإنسان. واتهم بعضُ المتظاهرين
«مليشيات » حركة «النهضة » وقوّات الأمن أيضا  ، وقد أنكر راشد الغنوشي رئيس الحركة كلَّ علاقة
بين «النهضة » والمليشيات «المزعومة » التي اعتدى أفرادُها على المتظاهرين والصحفيّين  .
وفي 23 و 24 أفريل 2012 ،جرت أعمالُ عنف أمام مبنى التلفزة التونسيّة بين صحفيّي هذه المؤسّسة
ومجموعة من المتظاهرين الموالين لحركة «النهضة » كانوا معتصمين قدّامَ مقرّ القناة منذ 2 مارس
2012 للمطالبة بتطهير وسائل الإعلام العموميّة. وقد ازداد الصدام حدّةً عقِبَ تصريحات عامر
العريّض، عضو المكتب السيّاسيّ لحركة النهضة وعضو المجلس الوطنيّ التأسيسيّ وتصريحات راشد
الغنوشي رئيس الحزب، وهي تصريحات متعلّقة بإمكانيّة «خصخصة وسائل الإعلام العموميّة  » ،
وقد نقلتْ الأخبار أنّ المعتصمين قد كتبوا على لافتة علّقوها في مدخل المؤسّسة «قناة 7 للبيع  .
وفي بلاغ بتاريخ 25 أفريل 2012 ، أدانتْ حركةُ «النهضة « » العنف الحاصل يوميْ الاثن والثلاثاء أمام مقرّ
التلفزة الوطنيّة مهما كان مأتاه » مؤكّدةً مرّةً أخرى حقّ «التظاهر السّلميّ وحقّ الدولة دون سواها
في ردع كلّ تجاوز ». فالتلفزة الوطنيّة ،حسب تصريح حركة «النهضة »، هي «مرْفَقٌ عموميّ ذو أهمّيّة
خاصّة « ،» وتمرّ المؤسّسة بأزمة بسبب مواصلة بعض الأطراف معالجة المعلومة الإخباريّة دون حياد،
وتوجيه النشرة الإخباريّة الرئيسيةّ  .
جميع هذه الأحداث تُبرز الحذر القائم بين الحكومة التي انبثقت عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 وجزء
كبير من وسائل الإعلام الموجودة، التي اتخذت موقفا نقديا من الحركات الإسلاميّة. وتدلّ قضيّةُ التلفزة
الوطنيّة وتصريحاتُ قياديي الحركة الإسلاميّة فيما يتعلّق بخصخصة وسائل الإعلام  على التوتّر
المتزايد بين الحزب المسيطر والصحفيّين التونسيّين المتَّهَمين بالحطّ آليّا من قيمة العمل الحكوميّ، بل
حتّى بالتآمر من أجل قلب السلطة التنفيذيّة.
ومن جهتها تتعامل «النهضة »، وهي الحزب الرئيسيّ في الحكومة، بحذر مع وسائل الإعلام لسبب
مزدوج: لأنّ العاملين فيها تعاملوا مع نظام بن علي، وأيضا لأنّها تعتبرهم أقرب إلى أوساط اليسار.
ففي عهد النظام السابق كان الصحفيّون المستقلّون، في الأغلب، ضحايا الاعتداء بالعنف، وقد سجن
البعضُ منهم بصفة غير شرعيّة أو حوكِموا بِتُهم حقٍّ عامّ لا علاقة لها بأنشطتهم الصحفيّة. وتوجد
قائمة في هؤلاء وأولئك في التقرير العامّ الذي نشرتْه الهيئةُ الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتّصال  .
ومنذ 14 جانفي 2011 صارتْ الاعتداءاتُ ضدّ الصحفيّين أكثر تواترا مماّ كانت عليه في عهد النظام
السابق، ولكن لم تسجَّل إلاّ حالة سجن واحدة لمدير صحيفة «التونسيّة » )انظر ما جاء أعلاه في
القسم 10.1 ( الذي بقي محبوسا ثمانية أيّام قبلَ أن يُحكم عليه بخطيّة قدْرُها ألف دينار.
وقد أكّدت النقابةُ الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين أنّ «رفض الحكومة تطبيق المرسوم عدد 115 لسنة
2011 والفصل 14 منه المتعلّق بحماية الصحفيّ، قد شجّع بعض الجهات والمليشيات القريبة من
الأحزاب وخصوصا «النهضة » على أن تعتبر أنّه يمكنها أن تتصرّف دون أيّ عقاب، وهذا ما يفتح الباب
أمام الاعتداء على الصحفيّين وإهانتهم ». و ينصّ الفصل 14 على ما يلي : »يعاقب كلّ من )...(أهان
صحفيّا أو تعدّى عليه بالقول أو الإشارة أو الفعل أو التهديد حال مباشرته لعمله بعقوبة الاعتداء على
شبه موظّف عموميّ المقرّرة بالفصل 123 من المجلة الجزائيّة ». غير أنّه تجدر الملاحظة أنّ الفصل 14 لا
يتآلف مع التحديدات المنصوص عليها في القانون الدوليّ المتعلّق بحرّيّة التعبير الذي لا يتضمّن حماية
خاصّة بالصحفيّين ،أمام ما قد يتعرضون له من شتم أو من ملاحظات نقديّة.
وطالبتْ النقابةُ الوطنيّة للصحفيّين التونسيّين مرارا بفتح تحقيقات رسميّة بل ورفعتْ حتّى شكوى
ضد السلطات وخصوصا ضدّ وزير الداخليّة. ولم يتمّ حتّى الآن أيُّ تحقيق جدّيّ، ولم يُبتّ في أيّة قضيّة.
وجلُّ مرتكبي الاعتداءات على الصحفيّين لم يتمّ تحديدُ هويّتهم، وحتّى الذين قُبض عليهم أطلقتْ
العدالةُ سراحهم فورا.
ويفرض قانون الشّغل والاتفاقيّة المشتركة الخاصّة بالصحافة المكتوبة، على المؤسّسات الصّحفية
ضمان شروط السّلامة للصحفيين وغيرهم ممنّ يعملون بها. ولا ينحصر تهديدُ سلامة الصّحفيّين في
الاعتداءات الجسديّة واللفظيّة، وإ اّمن يشمل أيضا ديمومة العمل، والأجور، وظروف العمل.
وإذا استثنينا وسائلَ الإعلام العموميّة الكبرى )مثل «وكالة تونس إفريقيا للأنباء »، و »الإذاعة التونسية »
و »التلفزة التونسيّة »( فإنّ جلّ مؤسّسات الصحفية في القطاع الخاصّ لا تحترم المقتضيات القانونيّة
المتعلّقة بسلامة الصحفيّين وبتغطيتهم الاجتماعيّة. ونرى اليوم قسما هامّا من الصحفيّين
التونسيّين في وضعيّة متردِّية جدّا وخصوصا من بين الشباب الذين لم يعد البعضُ منهم يعتبر أنّ
حرية التعبير هي أولويّتهم. أضف إلى ذلك أن العاملين الوقتيين والمتعاقدين في وسائل الإعلام هذه هم
في الأغلب أكثر عددا من العاملين القارّين وأجورهم ضعيفة جدّا وهم محرومون أحيانا من التغطية
الاجتماعيّة.
مؤشّر 14.3
وسائل الإعلام لا يُعرقل أنشطَتَها مناخُ انعدام الأمن
أمام تعدّد الاعتداءات ضدّ الصحفيّين ،بدأ مناخٌ من الخوف يعود إلى الظهور. وهذا المناخ يزداد قوّة
بفعل قضايا عرضت على المحاكم، وخصوصا ما حصل في قضيّة «نسمة » وما وقع لمستعمليْ
شبكة الإنترنت جابر الماجري وغازي الباجي اللذيْن حُكِم على كلّ منهما ب 7 سنوات و 6 أشهر سجنا
لإشاعتهما نصّا اعتُبِر مسيئا للدين وهو ما تمتّ الإشارة إليه أعلاه في القسم 12.1 . وبذلك نرى عودة
للرقابة الذّاتيّة وخصوصا في القطاع السمعيّ والبصريّ وبصفة أخصّ عند الصحفيّين الميدانيّين
والمراسلين الصحفيّين العاملين في المناطق الداخليّة.
الصنف الثالث : وسائل الإعلام بصفتها أرضيّة لحوار ديمقراطيّ
توصيات
ينبغي تشجيع وسائل الإعلام على
أن تعكِس التّنوّعَ العرقيّ والثقافيّ والسيّاسيّ
وعلى أن تضمن نفاذ جميع الناس بما فيهم الأكثر
تهميشا إلى وسائل الإعلام.
ينبغي اتّخاذ إجراءات للنهوض بتمثيل
النساء تمثيلا مساوِيا لتمثيل الرّجال في جميع
مستويات وسائل الأعلام بما في ذلك الإدارة
ومجالس الإدارة.
ينبغي تحديد مهمّة وأهداف وسائل
الإعلام العموميّة بصفتها مرْفَقا عموميّا
وضمانها، و يتمّ ذلك بقانون.
ينبغي مراجعة الإطار القانونيّ
للمؤسّسات العموميّة في القطاع السّمعيّ
والبصريّ لضمان عملها لخدمة الصالح العامّ
ودون أن تتدخّل في خطّها التحريريّ الحكومةُ أو
المصالح السيّاسيّة أو الاقتصاديّة.
ينبغي أن يعين أعضاءُ مجالس الإدارة
في المؤسّسات العموميّة للقطاع السّمعيّ
والبصريّ في إطار عمليّة مفتوحة شفّافة كما
ينصّ على ذلك القانونُ، وأن تُع هذه المجالسُ
لضمان تنوّع في المصالح وفي الآراء وفي الخبرات
وان تكون مستقلّة عن المصالح السياسيّة
والاقتصاديّة.
ينبغي أن يتمّ انتقاء الرّؤساء المديرون
العامّون للمؤسّسات العموميّة في القطاع
السمعيّ والبصريّ، عن طريق هيكل مستقلّ
وعلى أساس الكفاءة والاستحقاق إثر مسار
مفتوح وشفّاف وعادل.
ينبغي أن تعتمد وسائل الإعلام
العموميّة مدونة سلوك تحدِّد مبادئ الأخلاقيّات
المهنيّة على أساس معايير الجودة والاحتراف
والتّعدّديّة واحترام حقوق الإنسان.
ينبغي تشجيع المهنيين في مجال
الصحافة المكتوبة والالكترونية، على إيجاد
منظومة تعديل ذاتيّ تكون مطابِقةً للمعايير
الدّوليّة.
ينبغي تكليف الهيئة العليا
المستقلّة لتعديل القطاع السمعيّ والبصريّ
التي ينصّ عليها المرسوم عدد 116 لسنة 2011
، بمسؤوليّة إعداد مجلة قانونية بخصوص
مضمون الإعلام السمعيّ والبصريّ وذلك
لضمان احترام الإنصاف والحياد.
ينبغي تركيز آليّات تفاعلية
للوساطة بين المؤسّسات الإعلامية والجمهور
تكون مهمّتُها تلقّي الشكاوى والاعتراضات من
القرّاء والمستمعين والنّظّارة.
ينبغي للسّلطات العموميّة أن تنظّم
دورات تكوينية وأن تضع إجراءات لضمان سلامة
الصّحفيّين والعاملين في المؤسسات الإعلاميّة
من كلّ أنواع التهديد والتحرّش والاعتداء
الجسديّ.
ينبغي ضمان تطبيق الإجراءات الواردة
في الاتفاقيّة المشتركة لصالح الصّحفيّين وذلك
لحماية مصالحهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة. .
دراسة حول تطوّر وسائل الإعلام و الاتصال بتونس
الصنف الرابع
التكوين المهنيّ ومساندة مؤسّسات
التّكوين و للنّهوض بحرّيّة التعبير
و التعدّدية والتّنوّع
دراسة حول تطوّر وسائل الإعلام و الاتصال بتونس
المؤشرات الرئيسية
الصنف رقم 4 : التّكوين المهنيّ ومساندة مؤسّسات التّكوين للنّهوض بحرّيّة
أ - التّكوين المهنيّ المتوفر في ميدان الإعلام والاتصال
مؤشِّر 1.4 يمكن أن يتلقَّى المهنيّون في وسائل الإعلام تكوينا ملائما لحاجيّاتهم
مؤشِّر 2.4 يستطيع مديرو وسائل الإعلام، بما في ذلك المديرون التجاريّون، أن يحصلوا على تدريب
ملائم لحاجيّاتهم
مؤشّر 3.4 التّكوين يساعد مهنيي وسائل الإعلام على فهم الدّيمقراطيّة والتنمية
ب - توفر دروس جامعيّة في ميدان الإعلام والاتصال
مؤشّر 4.4 تُقدِّم الجامعاتُ والمدارس العليا دروسا في المراحل الأولى والثانية والثالثة في مادة الصحافة
وفي جوانب أخرى من الإعلام
مؤشِّر 5.4 تمكّن الدّروسُ الجامعيّة الطلبة من كفاءات ومعارف مرتبطة بالتنمية الديمقراطيّة
ت - حضور النقابات والمنظَّمات المهنيّة
مؤشِّر 6.4 مهنيو وسائل الإعلام من حقّهم الانخراطُ في نقابات مستقلّة وممارسةُ هذا الحقّ
مؤشِّر 7.4 النّقاباتُ والجمعيّات المهنيّة مؤهَّلةٌ لتمثيل المهنة والدّفاع عنها
ث - حضور منظّمات المجتمع المدنيّ
مؤشِّر 8.4 تتولى منظّماتُ المجتمع المدنيّ المتابعة الآلية لوسائل الإعلام
مؤشِّر 9.4 منظّمات المجتمع المدنيّ هي المدافعة المباشرة عن مسائل حرّيّة التعبير
مؤشِّر 10.4 منظّمات المجتمع المدنيّ تساعد مختلفَ الشرائح الاجتماعيّة على النفاذ إلى الإعلام
وعلى إسماع صوتها
الصنف رقم 4 : التّكوين المهنيّ ومساندة مؤسّسات التّكوين للنّهوض بحرّيّة
التّعبير والتّعدّديّة والتّنوّع
أ - التّكوين المهنيّ المتوفر في ميدان الإعلام والاتصال
مؤشِّر 1.4
يمكن أن يتلقَّى المهنيّون في وسائل الإعلام تكوينا ملائما لحاجيّاتهم
توجد في تونس مؤسّستان عموميّتان لتكوين الصّحفيّين: الأولى هي «معهد الصحافة وعلوم الإخبار »
وهو تابع لجامعة منّوبة، والثانية هي «المركز الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين ». وسيدرس
هذا القسمُ من بحثنا منظومةَ التكوين المستمرّ وخصوصا دوْرَ المركز الإفريقيّ لتكوين الصّحفيّين
والاتّصاليّين، أما «معهد الصحافة وعلوم الإخبار » فسيتم النظر في شأنه في القسمين 4.4 ،و 4.5 ،
الواردين أدناه.
أُنشِئ «المركز الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين » سنة 1982  ، وهو مؤسّسةٌ عموميّة ذات
صبغة إداريّة، تحت إشراف الوزير الأول ، وتتمتّع بالاستقلاليّة الماليّة والشخصيّة المعنويّة. وسرعان ما
سيطر النظام السابق على هذا المركز بُعَيْدَ إنشائه، وكان ذلك تعبيرا عن امتداد للسياسة الحكوميّة
في مجال وسائل الإعلام لتضمن انحصار أصناف التكوين في المجال التّقنيّ الخالص.
وينصّ الأمر عدد 632 لسنة 2002 المؤرّخ في غرّة أفريل 2002  الذي يضبط مهمّةَ «المركز الإفريقيّ
لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين » وتنظيمه الإداريّ والماليّ ويحدّد طرائق اشتغاله، على وجوب موافقة
سلطة الإشراف قبل عقد اتّفاقيّات مع المؤسّسات الوطنيّة والدّوليّة المماثِلة له )الفصل 3( على
«العقودوالاتفاقيات المتعلقة بالتكوين والدراسات والبحوث المتصلة بنشاط المركز « )الفصل 5(. وقد
حرمته هذه التّبعيّة لسلطة الإشراف من المرونة اللازمة للمساهمة في تطوير الكفاءات المهنيّة للصحفيّين.
ومنذ جانفي 2011 حاول «المركزُ الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين » أن يركّز أنشطته على
مواضيع جديدة وذلك بناء على طلب حرفاءه الذين أصبحوا يتعرّضون لكثير من الضغط الراجع إلى
تسابق جديد للمؤسسات الإعلامية لاستقطاب الجمهور، إذ اتّضح أنّ ذلك أهمّ من طاعة الحكومة.
وأشرف مكوّنون تونسييون وأجانب على دورات التدريب المنظَّمة في سنتيْ 2011 و 2012 . وقد استقبل
«المركزُ الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين 23 » مكوِّنا أجنبيّا منهم 5 فرنسيّون وايرلنديان ) 2(
وأمريكيّان ) 2( وألمانيّ وسويسريّ وكنديّ وبولونيّ، قدَّموا تدريبا باللغة الفرنسيّة.
استفاد هذا المركزُ منذ إنشائه من مساندة مؤسّسة «فريدريش نويمن Fondation Friedrich Naumann
«. وقد نظم خلال السنة الدراسيّة 2012 - 2011 اثنتين وعشرين دورة تدريبية بالتعاون مع هذه المنظّمة
الألمانيّة ومع شركاء دوليّين جُدُدٍ أيضا. ومنذ 2011 اقترحتْ المنظّماتُ الدّوليّةُ على هذا المركز وضْعَ
مخطّط لأنشطة مشترَكة في ميدان التّكوين المستمرّ في إطار اتّفاقيّات تعاون 212 ، وقد قدّمتْ عدّةُ
منظّمات ومؤسّسات دورات تكوينية للصحفيّين متعلّقة بمواضيع جديدة. ومن بين هؤلاء الشركاء نجد
«هيئة الإذاعة البريطانيّة »BBC ، و »فرانس - 24 »France 24 ، و »إذاعة فرنسا الدوليّة »RFI و »إذاعة مونتي
كارلو »Radio Monte-Carlo و »أكاديميّة الإذاعات الألمانيّة »Deutsche Welle Akademie و »إعلاميون من
أجل صحافة استقصائية عربية » )أريج(. وكان نجاح دورات التّدريب بصفة عامّة مشروط بالتوفّق إلى
اختيار مكوِّن جيّد، وتحديد الحاجيّات في مجال الكفاءة المطلوبة وضبط فترة العمل اللازمة لذلك.
خلال العهد السابق كانتْ بعضُ مواضيع التكوين مفضلة على بعضها الآخر بسبب التضييقات
المفروضة على هذا الميدان. وكانتْ الدوراتُ الأكثر تواترا هي الدورات المتعلّقة بالمهارات التقنيّة، وخصوصا
تكنولوجيات الإعلام والاتّصال، ويمكن أن نذكر أيضا دورات تتعلّق على وجه الخصوص بتصميم مواقع
«واب » و »الرسائل الالكترونية »newsletters والتّصرف في مضامين مواقع ال »واب » والإخراج الفني
للصحف واليقظة المعلوماتية ) la veille informative ( واستغلال تكنولوجيات الإعلام والاتّصال في
مكاتب الإعلام وغير ذلك.
ومنذ جانفي 2011 صارت دورات التدريب المقترَحة موجَّهةً نحو مواضيع يوصي بها محترفون في
مختلف وسائل الإعلام قصْدَ الاستجابة لحاجيات فترة الانتقال الديمقراطيّ في مجال تسيير الحوار
والتغطية الإعلاميّة لانتخابات المجلس الوطنيّ التأسيسيّ، غير أنّ «المركز الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين
والاتّصاليّين » قد قدّم أيضا حلقات تدريب محورُها الاستعمال السليم لشبكة الانترنت ولصفحات
التّواصل الاجتماعيّ، وإدارة الأرشيف الرّقميّ، و النفاذ إلى مصادر المعلومة.
ويملك «المركزُ الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين » قاعت ،ْني كلّ واحدة منهما مجهَّزَةٌ ب 15
حاسوبا. وهما موصولتان بالأجهزة المتممِّة الضروريّة للإنتاج، وفيهما الأجهزة الخاصّة باستقبال برقيّات
«وكالة تونس إفريقيا للأنباء » ومربوطتان أيضا بشبكة انترنت ذات التدفق العالي. وفي هذا المركز أيضا
ستوديو مشترك بين الإذاعة والتلفزة مزوَّد بالأجهزة الرّقميّة، وقاعة تحرير يمكن أن تتّسع ل 20 صحفيّا.
وقد عبّر مسؤولون في عدد من المؤسسات الإعلامية عن الحاجة الملحّة لإحداث مراكز جهويّة في إطار
اللامركزيّة الإداريّة تهتمّ بالتدريب وبتنظيم دورات تكوينيّة بالجهات يكون هدفُها دعم مبدأ القرْب من
موقع العمل وتلبية الحاجيات التي عبّر عنها المهنيون في وسائل الإعلام الجهويّة. إذ إنهم مجبرون على
عدم السّماح للصحفيّين بالتغيّب مدّةً طويلة )من 3 إلى 6 أيّام( للمشاركة في دورة تدريبية، وذلك
بسبب العدد غير الكافي من الصحفيين العاملين، أو أيضا بسبب الحجم الهائل من العمل المطلوب
منهم. ولذلك فإنهم يعتبرون أنّ أفضل حلّ مناسب هو تنظيم دورات تدريبية ميدانيّة في وسائل
الإعلام الجهويّة مع أخذ خصوصيات المحيط الاقتصاديّ والاجتماعيّ بعين الاعتبار. وقد أكّدتْ إدارةُ المركز
من جهتها أنّها تلقّتْ مطالب لتنظيم دورات تدريب في الجهات.
ونظّمتْ بعضَ الهيئات الدّوليّة عدّة دورات تدريب في تونس بمبادرة منها وبالتعاون مباشرة مع وسائل
الإعلام المعنيّة، مثل «هيئة الإذاعة البريطانيّة »BBC و »إذاعة فرنسا الدوليّة »RFI و » الإذاعة الألمانيّة
»DW . كما تم تنظيم جلّ هذه الدورات التكوينية في العاصمة باعتبار أنّ غالبيّة وسائل الإعلام
العموميّة والخاصّة موجودة بها. إلاّ أنّ بعض الدورات التدريبيّة الأخرى تم تنظيمها في الجهات، خصوصا
في الإذاعات العموميّة الجهويّة )الكاف، صفاقس، قفصة، تطاوين( وذلك خلال شهر جويلية 2011
وكانتْ من إعداد منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو . وقد تم تنظيمُ دورت ميدانيّتين أخري بإشراف المعهد العربيّ لحقوق الإنسان بإذاعتي الكاف وقفصة.
ودعت منظّمةُ اليونسكو أربعة مكوِّنين منهم ثلاثةٌ فرنسيّين ومكوّنة تونسيّة للقيام بثمانية دورات
تكوين نصْفُها باللغة الفرنسيّة. وقد لاحظ «بول بيوندي »Paul Biondi« » أحدُ المكوّنين، أنّ «اللغة لم
تمثّل صعوبة حقيقيّة لأنّ المتدربين يتقنون الفرنسيّة بدرجة كافية لمتابعة التّكوين ولمناقشة المواضيع
مع المكوِّن. وكانتْ التمارينُ التطبيقيّة باللغة العربيّة ولم يمنع ذلك الأمر- لا المكوّنَون لا أفراد الفريق
المشارك في التدريب- من المصادقة على التكوين الحاصل في نهاية الدورة .
وكانت الأجهزةُ الالكترونية )مثل الحواسيب وأجهزة الكاميرا( تُستعمَل بيسر كبير باعتبارها تتضمّن
برامج باللغة العربيّة و/أو باللغة الفرنسيّة و/أو باللغة الإنجليزيّة، وهي لغاتٌ يستعملها المشاركون في
دورات التكوين ويتقنونها بدرجات متفاوتة بفضل المنظومة التربويّة القائمة على تعليم اللغات الحيّة.
كما نظّمت «إذاعة فرنسا الدوليّة » أيضا دورتي تدريب واحدةٌ في نهاية 2011 والأخرى في جانفي 2012
وكانتا موجَّهت إلى العاملين في مؤسّست حديثتين للإعلام السمعي والبصري في القطاع الخاصّ.
وتركّز هذه الدورات على الإدارة والتّصرّف والبرمجة. كما استقبلتْ «إذاعةُ فرنسا الدّوليّة » وإذاعةُ
«مونتي كارلو » عشرة صحفيّين متدربين وذلك في ديسمبر 2011 بأقسام التحرير التابعة لهما في
باريس. وبعد ذلك بشهر أُتيحتْ الفرصةُ لعشرة صحفيّين آخرين لقضاء أسبوع في قسم التحرير
التابع لإذاعة «مونتي كارلو
وأتاحتْ «هيئةُ الإذاعة البريطانيّة »BBC للصحفيّين التونسيّين فرصةَ متابعة التكوين عن بُعْد خلال
شهر مارس 2012 ، وكان التدريب متعلّقا بأخلاقيّات المهنة وتقنيات التحرير، وقد شارك في هذه
الدورة حواليْ خمسة عشر صحفيّا ممنّ يعملون في وسائل الإعلام السمعيّة والبصريّة العموميّة وفي
الصّحافة المكتوبة.
كما تم تنظيمُ عدد كبير من الدورات التدريبية منذ جانفي 2011 ، غير أنّنا لا نجد إحصائيّات لنسبة
مشاركة النّساء أو المجموعات المهمَّشة في هذه العمليّات.
وحسب أحد المسؤولين بالإذاعة التونسيّة فإن تنوّع دورات التدريب المتعلّقة بالتقنيّات الصحفيّة
وبتسيير النّقاش وبتغطية الانتخابات وبغير ذلك -الجهد الكبير الذي بُذِل في نشر الوعي بأهميّة
التدريب على أسس المعاييرالدوليّة- لم يُشفع بتقييم لنتائج دورات التدريب المنجَزة، كما لم يتمّ قياس
تأثيرها على تطوّر وسائل الإعلام بطريقة آليّة وعلميّة 215 .
وعلى العكس من ذلك، فانّ تقارير التدريب التي أعدّتْها منظّماتٌ دوليّة مثل «هيئة الإذاعة البريطانيّة »
واليونسكو فيها تحليل لتقييم دورات التكوين في مستوى كلّ مشارك، هذا فضلا عن تضمّنها تقييما
شاملا أنجزه المكوِّنُ.
إن تحويل وسائل الإعلام من مؤسسات حكوميّة إلى مؤسسات عموميّة قد ب ضرورةَ دعمِ آليات
الحوكمة الرشيدة وطرق التصرّف في الجودة. غير أنّنا نلاحظ غياب هيكل في مستوى الإذاعة المركزيّة
فهي لا تملك الوسائل الضرورية لتوفير التدريب المناسب لرفع الرهانات ذات الأولويّة ولإنجاح عمليّة تحوّل
المؤسسات الإعلاميّة الحكوميّة إلى مؤسسات عموميّة.
مؤشِّر 2.4
يستطيع مديرو وسائل الإعلام، بما في ذلك المديرون التجاريّون، أن يحصلوا على تدريب
ملائم لحاجيّاتهم
وخلال السّداسيّ الأوّل من سنة 2012 نظّم «المركزُ الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين » ورشةَ
عمل لمديري وسائل الإعلام التقليدية كان عنوانُها «من الإعلام الواحد إلى الإعلام المتعدّد  بالاشتراك
مع «قناة فرنسا الدوليّة »Canal France International . تهدف هذه الورشةُ إلى التوعية بمزايا المنتوجات
الجديدة التي توفرها تقنيات المولتيميديا لما لها من قدرة على إثراء ما تعرضه المؤسسات الإعلاميّة
وعلى إكسابها مزيدا من المرونة ومن قابليّة التفاعل مع الجمهور. وقد نظّم هذا المركزُ أيضا دورة تدريب
موجَّهة إلى الناشرين ومسيّري وسائل الإعلام والاتصال الجديدة كان عنوانُها «ما هو الأنموذج الاقتصاديّ
لوسائل الإعلام الجديدة؟ » وهي تهدف إلى إعطاء رؤية واضحة عن آليّات إنشاءِ القيمة المضافة على
شبكة الانترنت وعلى تصوّر مشاريع قابلة لأن تكون مُربِحة على الانترنت أيضا.
وبرمج المركزُ الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين في شهر مارس دورة تدريبية لباعثي وسائل
الإعلام والمتصرّفين فيها كان موضوعها «التصرّف في مشروع إعلاميّ »، لكنّه اضطرّ إلى تأجيلها بسبب
عدم تقديم مطالب بخصوص المشاركة فيها .ويمكن تفسير تردّد المهنيين في القطاع العموميّ إزاء
الحضور في دورات تدريب مقترَحَة بالتشريع الجاري به العمل الذي يعطل الحصول على بعض المنح في
حالة المشاركة في بعض الدورات التدريبية  .
مؤشّر 3.4
التّكوين يساعد مهنيي وسائل الإعلام على فهم الدّيمقراطيّة والتنمية
قبل جانفي 2011 لم يكن «المركزُ الإفريقيّ لتدريب الصّحفيّين والاتّصاليّين » يقدِّم سوى دورات تكوين
عامّ ذي طابع تقنيّ خالص دون معالجة مواضيع مثل مسؤوليّة وسائل الإعلام أو الصحافة الاستقصائية.
ولكن بعد 14 جانفي 2011 تعاون هذا المركز مع « إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية أريج لتكوين أربعة مكوِّنين في مجال الاستقصاء وذلك قصد الاستجابة لطلبات متزايدة. وينوي المركز أيضا
إدخال جانب «أخلاقيّات المهنة » بأكبر قدْر ممكن في كلّ وحدة من وحدات التّكوين خلال 2012 دون أن
تُخصَّص لهذا الجانب وحدة مستقلّة بذاتها  .
فمن الضروريّ اليوم التفكيرُ في الوسائل التي تؤدّي إلى نجاح الانتقال نحو مجتمع ديمقراطيّ مع الحد
من مخاطر الانحراف عن أخلاقيات المهنة في وسائل الإعلام. و من المهمّ إذن التذكيرُ بمبادئ الأخلاقيّات
المهنيّة التي هي مبادئ أساسيّة في الصحافة.
ب - توفر دروس جامعيّة في ميدان الإعلام والاتصال
مؤشّر 4.4
تُقدِّم الجامعاتُ والمدارس العليا دروسا في المراحل الأولى والثانية والثالثة في مادة الصحافة
وفي جوانب أخرى من الإعلام
قدّم «معهدُ الصحافة وعلوم الإخبار » منذ إنشائه سنة 1967  إلى سنة 1973 تكوينا يدوم سنت في إطار مسار جامعي مزدوج لطلبة ينتسبون إلى شُعب أخرى )قانون، اقتصاد، علم اجتماع، آداب(. وفي
سنة 1973 صار هذا المعهد مؤسّسة عموميّة ذات صبغة إداريّة تتمتّع بالاستقلالية الماليّة والشخصيّة
المعنويّة 221 . وهو يضطلع منذ ذلك الوقت بتكوين كامل للصحفيّين بداية من حصولهم على شهادة
الباكالوريا حتّى تحصيلهم الأستاذيّة في الصحافة وفي الاتّصال  . وفي عهد بن علي كان هذا المعهد
يقع «تحت سلطة إشراف ثلاثيّة الأبعاد » : الإشراف الإداري لوزارة التعليم العالي، يُضاف إليه إشراف
رئاسة الجمهوريّة وإشراف الحزب الحاكم، وهو التّجمّع الدّستوري الديمقراطيّ.
«معهدُ الصحافة وعلوم الإخبار » هو الجهاز العموميّ الوحيد الذي يقدِّم دروسا في الصّحافة منذ
إنشائه سنة 1968 ومنه يتحصّل الطلبةُ على شهادة أستاذيّة بعد أربع سنوات من الدراسة. يتيح
هذا المعهد للطلبة فرصة مواصلة مرحلة الماجستير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال وكذلك
مرحلة الماجستير في الصحافة الإلكترونيّة . ومنذ السنة الجامعيّة 2005 - 2004 صار من الممكن
مواصلة البحوث في المعهد حتّى الحصول على شهادة الدكتوراه. وقد نوّع المعهدُ فروعَ التخصّص في
المرحلة الثالثة وأنشأ ماجستيرين مهنيّ :ْني في الصحافة السمعيّة والبصريّة وفي الصحافة المكتوبة
والالكترونية .
وبفضل النظام القديم المتمثّل في الدراسة مدّة 4 سنوات قدَّم معهدُ الصحافة وعلوم الإخبار تكوينا
معمّقا يتيح للطّلبة الحصول على شهادات متّصلة ببعض التخصّصات وهم يمثّلون مشاريع صحفيّين
متخصّصين مستقبلا. غير انه مع النظام الجديد «إمد » )إجازة، ماجستير، دكتوره( المطبَّق منذ السنة
الجامعيّة 2009 - 2008 تب المهنيون مواضع نقْص في التكوين على مستوى التخصّص. ولهذا فكّر
المعهد في إتاحة الفرصة للطّلبة للتخصّص في مستوى الماجستير وفي إعطاءهم أدوات صحفيّة
تمكّنهم من اكتساب مهارات عمليّة. وقد دعّم المعهد أيضا التكوينَ في الإعلاميّة، وله أجهزة متطوّرة
إلى حدّ كاف ولكنّ تجديدها ليس دائما مضمونا.
ويقوم التعليمُ في «معهد الصحافة وعلوم الإخبار » على منظومة دورات تدريبية أيضا. وبحسب
إدارة المعهد يجب مراجعة هذه المنظومة لأنّ الطلبة لا يحصلون على التأطير الكافي خلال الدورات
التدريبية. إذ يقوم الطالبُ في السنة الأولى بتدريب الهدف منه هو الانفتاح على المحيط ويدوم ثلاثة
أو أربعة أيّام صلب إحدى المؤسّسات الإداريّة المحلّيّة أو الجهويّة أو في مؤسّسات اقتصاديّة أو في أجهزة
ثقافيّة واجتماعيّة. أما في السنة الثانية فيتلقى تدريبا مدّتُه خمسة عشر يوما وذلك باعتماد نظام
التناوب ويُختَم بتقديم تقرير. وفي السنة الثالثة يقوم بدورة تدريبية هدفُها إدماجُ الطلبة مهنيّا سواء
في مؤسّسات الصحافة المكتوبة أو السمعيّة والبصريّة أو في وكالات وإدارات الاتصال. ويجب أن يُقدّم
الطلبةُ تقريرا يتضمّن وصفَ المهمّات التي قاموا بها يوميّا، وعليهم أيضا تقديم جملة من الخواطر
والأفكار بشأن العمل المنجَز ووسائل الإعلام التي استقبلتهم.
وأعلنتْ إدارةُ «معهد الصحافة وعلوم الإخبار » أنّها ستحاول تغيير صورة التّكوين الذي تُقدّمه وهو
تكوين يغلّب فيه الجانب النظريّ على الجانب التطبيقيّ. والواقع أنّ حجم ساعات الأشغال الموجَّهة
أكبر بكثير من حجم الدروس النظريّة. وبعث المعهد نشرية » newsletter « وتتضمّن أخبار ومعلومات
)برقيّات وصور( عمّا يحدث في المركّب الجامعي. ويهدف هذا النشاط إلى إيجاد نوع من الحركيّة داخل
المعهد مع تمرين الطلبة على احترام القواعد المهنيّة والآجال المحدَّدة لإنجاز الأعمال. كما بعث المعهد
مجلّة سمّاها «أكاديميا » لتشجيع الطلبة على الاندماج في ممارسة جديدة. وتنوي إدارةُ المعهد
إنشاء «إذاعة على الواب »web radio تكون جامعيّة وذلك بعد اقتناء خادم ) serveur ( جديد. وترمي هذه
المبادراتُ إلى دعم الوعي لدى الطلبة ودفعهم إلى المبادرة وتشجيعهم على الإنتاج.
وفي إطار الإصلاحات التي انطلقت قصْدَ إصلاح قطاع الإعلام في تونس، تقرر أن يتم التسجيلُ في
المعهد بداية من السنة الجامعيّة 2013 - 2012 عن طريق مناظرة. فالحاصلون على شهادة الباكالوريا
والراغبون في الالتحاق بالمعهد عليهم اجتيازُ مناظرة قبول وذلك لتقييم كفاءاتهم وقدرتهم على
مواصلة الدراسة في علوم الإعلام والاتصال. وسيمكّن هذا الإصلاحُ المعهدَ من تكوين صحفيّين أكثر
مهارة ومن تلبية حاجيات سوق صارتْ أكثر صرامة في طلباتها من أيّ وقت مضى.
ويتطلب تكوين الصحفيّين تكوينا مناسبا لطبيعة عملهم وأهدافه، الحصولَ على أجهزة متطوّرة
تتيح التّمكّن من التكنولوجيّات الجديدة. فالمعدات المستعمَلة في التكوين مستورَدةٌ من البلدان
الغربيّة ويتطلّب استعمالُها التمكّن من اللغات الأجنبيّة التي هي بوجه عام الإنجليزيّة أو الفرنسيّة.
أمّا المراجع فهي موجودة بمختلف اللغات: الإنجليزيّة أو الفرنسيّة أو العربية أحيانا. وقد حرص المعهد
على نشر دوريّة مزدوجة اللغة وهي «المجلّة التونسيّة للاتصال »)RTC( 226 وذلك منذ 1982 وتهدف إلى
التشجيع على البحث العلميّ المكتوب باللغة العربيّة في مجال الصحافة والاتصال.
ويملك «معهدُ الصحافة وعلوم الإخبار » تجهيزات البنية التحتيّة اللازمة في المجال السمعيّ والبصريّ
وهي تتكوّن من استوديوهين للإذاعة ومثلهما للتلفزة، ومخبر للصّور ووحدات تركيب. ولضمان تكوين
في ظروف مناسبة، تجهّز المعهد تدريجيّا بأجهزة حديثة وذلك بفضل الهبات المقدَّمة من المؤسّسات
الدّوليّة. وقد استطاعتْ الإدارة أن تجعل عشرين بالمائة من تجهيزات ستوديو التلفزة، رقميّةَ، وذلك
بتكلفة بلغتْ 120 الف دولار أمريكيّ خلال السنة الجامعيّة 2012 - 2011 . وقد أثّرت جودة الأجهزة الموجودة
وحداثة تجهيزات البنية التحتيّة بطريقة إيجابيّة في جودة التكوين حسب عدد من الجامعيّين 227 .
وقد استطاع الطلبةُ المتخصِّصون في الإذاعة أن يستفيدوا من تكوين أرقى بفضل وجود التجهيزات
التقنيّة للتركيب ولمزج التسجيلات. أمّا طلبة المعهد المتخصّصون في التلفزة فهم أقلّ تمكّنا في
استعمال الأدوات التقنيّة بسبب ضعف التجهيزات التّحتيّة الموجودة بحكم التكلفة المرتفعة جدّا
لهذا النوع من الأجهزة. ويتوفّر للمعهد أيضا ترابط الكتروني مع وكالة الصحافة الوطنية وهي «وكالة
تونس إفريقيا للأنباء
بعد تدعيم التكوين في الإعلاميّة وفي التكنولوجيّات الجديدة يجب تجهيز «معهد الصحافة وعلوم
الإخبار » بالتجهيزات الإعلاميّة الضروريّة والمناسبة لنشاطه وأهدافه. ويملك المعهدُ حاليّا مجموعة
من الحواسيب للتكوين الأساسيّ في الإعلاميّة وفي شبكة الانترنت وفي الملتيميديا وفي فنون الرّسم
، وهي تُستَعمَل كذلك في التكوين الخاصّ ب »النشر الالكتروني للصحف ».228P.A.O وفي الصّحافة
الإلكترونية، لكنّ المعهد في حاجة إلى تجديد تجهيزاته الإعلاميّة بتجهيزات أخرى أكثر تطوّرا.
وتوجد في تونس العاصمة ثلاث جامعات خاصّة تُقدِّم تكوينا جامعيّا في الصحافة. وهي تعمل بنظام
«إمد » المتكوّن من ستّ سداسيّات موزّعة على ثلاث سنوات. هذه الجامعات هي «الجامعة المركزيّة »229
و »الجامعة العربية الخاصة للعلوم » و »230Centrale Com« . وهذه الأخيرة هي الوحيدة التي تقدّم تكوينا
متخصّصا في مختلف الفروع للحاصلين على إجازة تطبيقيّة وعلى إجازة أساسيّة: هو الماجستير
المهني في هندسة الملتيميديا، و الماجستير المهنيّ في هندسة وسائل الإعلام.
وقد شرعتْ «الجامعة الدوليّة بتUIT   في إطار شراكة مع «المدرسة العليا للصحافة
بباريس  في تكوين مكثَّف يدوم سنةً واحدة في كلّ الأشكال الصحفية الممارسة في وسائل
الإعلام )إذاعة، تلفزة، صحافة مكتوبة، واب(. ويمكن التسجيل في هذا التكوين بناءً على الملفّات وبعد
إجراء محادثة للتأكّد من التجربة الحاصلة لدى الصحفيّين الذين لهم على الأقلّ ثلاث سنوات من
النشاط الفعلي في هذا الميدان  .التّعبير والتّعدّديّة والتّنوّع
 تحميل الوثيقة